كتب – هاني جريشة..
أزمة جديدة تعصف بألمانيا من بين أزمات اقتصادية واجتماعية أخرى، وهي أزمة الإسكان التي تعد أبرز قضية اجتماعية في القرن الواحد والعشرين.
ويجد الكثيرون أنفسهم في رحلة بحث يائسة للحصول على سكن بأسعار معقولة، خصوصًا في المدن الكبرى في ألمانيا ولا يلوح أي تحسن في الأفق.
وتُظهر الأرقام مدى صعوبة الوضع في سوق العقارات الألماني، فهناك نقص في أكثر من 800 ألف شقة، وهذا الاتجاه آخذ في الارتفاع.
كما يعيش أكثر من 9.5 مليون شخص في مساحات سكنية ضيقة، بحسب مكتب الإحصاء الاتحادي.
وتهدف الحكومة الألمانية إلى بناء 400 ألف شقة سكنية سنويًا، بما في ذلك 100 ألف وحدة سكنية اجتماعية، لكن هذا الهدف يبدوا بعيد المنال بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وتكاليف البناء.
وحسب معهد “إيفو” كان هناك 245 ألف شقة سكنية في عام 2023، ويُتوقع أن يصل العدد هذا العام إلى 210 ألف شقة فقط.
ونظرًا لأن المعروض من المساحات السكنية في ألمانيا صغير والطلب كبير جدًا، فإن أسعار الإيجار ترتفع بشكل ملحوظ.
يذكر أن المستشار الألماني أولاف شولتس أكد سابقًا أن السكن هو القضية الاجتماعية الحاسمة في ألمانيا، وذلك لأن الحصول على مساكن متاحة وبأسعار معقولة لا يشغل فقط من يعيشون وحدهم، والعاطلين عن العمل والطلاب واللاجئين، بل يشمل أيضًا الطبقة الوسطى وبشكل متزايد، وبات الكثير من المقيمين في ألمانيا بالشعور باليأس في حل تلك الأزمة.
ألمانيا بلد المستأجرين الأول في أوروبا
وبحسب عدة تقارير إحصائية، فإن ألمانيا هي بلد المستأجرين الأول في أوروبا وبفارق كبير عن البقية، إذ يعيش أكثر من نصف السكان في منازل لا يملكونها.
وأيضا ألمانيا هي البلد الأوروبي الوحيد، الذين يزيد فيه عدد المستأجرين عن المالكين.
وتدفع ألمانيا الآن ثمن أخطاء سياسية ارتكبت في الماضي، فقد باعت الحكومة الفيدرالية آلاف الشقق لمستثمرين من القطاع الخاص، بينما انسحبت الولايات الاتحادية من بناء الإسكان الاجتماعي وعلى نطاق واسع.
وقال ماتياس بيرنت، الخبير في سياسة الإسكان: “كنا في السابق نمتلك أربعة ملايين وحدة سكنية اجتماعية و15 مليون منزل مستأجر”.
وأضاف: “أما اليوم فلدينا مليون وحدة سكنية و21 مليون منزل مستأجر، من يستطيع الحصول على سكن اجتماعي فقد فاز باليانصيب؟”.
ويُلاحظ ماتياس بيرنت أن أزمة السكن تتفاقم بشكل كبير في المدن الكبرى والجامعية، ففي العاصمة الألمانية برلين على سبيل المثال هناك المزيد من وحدات الإيجار الموجودة على “إير بي إن بي”، وفي الوقت نفسه يبلغ متوسط الإيجار لعقود الإيجار الجديدة حوالي ضعف إيجار الشقق السكنية الحالية.
“وصال” استطلعت أراء العديد من المصريين في ألمانيا؛ للوقوف على أسباب الأزمة ومحاولة فهم طبيعة الأزمة وكيفية تعاملهم معها.
طبيب مصري في ألمانيا: اللاجئون سبب أزمة السكن
من جانبه أرجع الطبيب المصري عبدالله علي السبب الرئيسي في أزمة السكن لوجود اللاجئين بكثافة خلال السنوات القليلة الماضية، محملًا الحكومة الألمانية السبب في تفاقم الأزمة بعدم توفير منازل خاصة للاجئين قبيل استقبالهم.
وقال في حديثه لـ”وصال”: “للأسف الإيجارات زادت بشكل مبالغ فيه، وكذلك أسعار شراء المساكن باهظة، ولعل وجود 3 مليون لاجئ قدموا إلى ألمانيا مرة واحدة أحدث خللًا وسبب في أزمة للإسكان”.
وتابع: “ملاك المنازل يلجأون إلى تأجير مساكنهم للاجئين باعتبار أنهم أفضل زبون ولضمانة أن الدولة ستقوم بدفع قيمة الإيجار بالسعر الكبير وبشكل منتظم عكس أي زبون آخر”.
وأضاف أنه بعد هجوم اللاجئين على البلاد أصبح الأجانب والمقيمين في ألمانيا لا يجدون مأوى لهم خاصة الطبقة المتوسطة، مؤكدًا أن المالك قد يلجأ إلى طرد المستأجر لإيجار منزله لأحد اللاجئين لضان أعلى سعر استمرارية الدفع من قبل الحكومة.
الأزمة تسبق اللاجئين
على عكس الطرح السابق، رفض المهندس المصري محمد جادو، تحميل اللاجئين أزمة السكن في ألمانيا، مؤكدًا أن الأزمة موجودة من قبل وجود اللاجئين منذ سنوات دون إيجاد حلول جذرية من قبل الدولة.
وقال جادو في حديثه لـ”وصال”: “غالبية الملاك يرفضون التأجير للاجئين بسبب اختلاف الثقافات فضلًا عن مشاكل اللاجئين المنتشرة مؤخرًا، وبالتالي فهم ليسوا الأوفر حظًا في إيجار المساكن، بالإضافة إلى أن وجود دخل ثابت للمستأجر سهل التأكد منها لضمان جدية الدفع”.
وأشار إلى أن الحكومات السابقة في ألمانيا كانت لديها خطط للسكن الاجتماعي، وتوفر كل عام وتدعمه وهو ما حافظ على ثبات السعر بشكل متوازن، موضحًا أن هذه الخطط الآن ذهبت أدراج الرياح.
وأشار إلى أن بعض المستثمرين والشركات الآن يستحوذون على المباني القديمة المركزية في المدن الكبرى ويقومون بإحلال وتجديد للمبنى ثم إعادة طرح وحداته للإيجار بسعر مبالغ فيه مما زاد من تفاقم الأزمة.
سكن الطلاب في ألمانيا
أما نانيس جادو ، طالبة دراسات عليا في كلية الهندسة بجامعة شتوتجارت، ترى أن أزمة السكن في ألمانيا باتت أكثر صعوبة للطلبة؛ لأن الوحدات القريبة من الجامعات ووسط البلد باتت باهظة الثمن، والبحث عن أسعار أقل تجعل الطالب يسكن في أطراف المدن ويتكبد تكاليف الانتقال والإرهاق.
وأشارت جادو إلى أن اختلاف جودة المبنى من حيث حداثته أو قدمه يتسبب في اختلاف الأسعار.
وأوضحت أن اللاجئين قد يكونون سببًا في الأزمة؛ لأنهم يقيمون في مساكن اللاجئين الخاصة بالدولة لفترة مؤقتة ثم يطلقون لإيجار مساكن أخرى مما يزيد من تفاقم الأزمة.