كتبت – فاتن علي..
نفذت السلطات السعودية، الثلاثاء 3 ديسمبر 2024، حكم الإعدام بحق ثلاثة مصريين، بعد إدانتهم في قضايا تتعلق بجلب وتهريب المخدرات، وبهذا يرتفع عدد المصريين الذين تم تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم في السعودية خلال الشهرين الأخيرين إلى ستة أشخاص، وفي الوقت ذاته، أثار خبراء في الأمم المتحدة مخاوف بشأن عدالة المحاكمات، مشيرين إلى أنها “لم تلبِّ معايير النزاهة الدولية”.
وأوضحت صفحة “متصدقش” أنه ينتظر 27 مصريًا آخرين تنفيذ حكم الإعدام بحقهم بنفس التهم، فيما يحاول ذويهم في مصر طرق كافة الأبواب الرسمية لوقف تنفيذ الحكم مؤكدين أنهم وقعوا على الاعترافات تحت التهديد بالتعذيب، وأنهم متورطون في قضايا ليس لهم علاقة بها.
وكشف فريق متصدقش عن تفاصيل الاتهامات والمواقف القانوني لـ7 من المدانين، بحسب أوراق القضايا التي حصلنا على نسخة منها، كما نرصد مساعي واستغاثات الأهالي لإيقاف تنفيذ أحكام الإعدام.
من المتهمين؟
ووفقًت لصفحة “متصدقش” فتراوحت مدة سجن الـ 27 الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في سجن تبوك شمال غرب المملكة، بين عامين و7 سنوات، بحسب أوراق القضايا التي حصل فريق متصدقش على نسخة منها.
المصريون الـ27 هم: عصام الشاذلي – فرحات فتحي – أحمد زينهم – أحمد غريب -خالد صالح – سعيد سليمان – يحيى سالم – جمال التيهي – رامي جمال – هشام عبد الحميد – عبد الفتاح كمال – محمد كامل – محمد أنور – السيد عبد الجابر السيد – أشرف محمد – أسامة عبد الحميد – محمود السيد – حازم صبري – محمود محمد – علاء فتحي – مسلم الترباني – عبد الرحيم إبراهيم – سالم فرج – عمر أحمد إبراهيم – محمد أحمد سعد – محمد أحمد المحمدي – سلمان فرج عود.
ويعمل المتهمون في وظائف صيادين، وسائقين، وعاملين، بعضهم كان مقيمًا في السعودية أثناء القبض عليه، والآخرين، قُبض عليهم في البحر الأحمر في مناطق حدودية مع المملكة، الـ7 مدانين الذي وثق فريق متصدقش، موقفهم القانوني ينتمون لمحافظات الدقهلية، والبحر الأحمر، وقنا.
ويقول المحامي طه الحاجي، المستشار القانوني للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، والتي تابعت القضية، إن السفارة المصرية بالسعودية، لم تُوكل لأي من الـ33 متهما، محاميًا أثناء محاكمتهم، وأنهم حُقق معهم وحوكموا دون أن يكون معهم محاميًا.
واستطاعت بعض الأسر القادرة توكيل محامي بعد صدور حكم أول درجة بالقتل تعذيرًا (الإعدام)، لكتابة مذكرة اعتراض أو حضور الاستئناف فقط، بحسب “الحاجي”، مُشيرًا إلى ضعف الحالة المادية لمعظم أسر المحبوسين.
وقائع القبض والاتهامات
ووثقت صفحة “متصدقش” وقائع القبض والاتهامات الموجهة لـ7 من المدانين بعد الاطلاع على أوراق أحكامهم، وهم متهمون في 3 قضايا مختلفة، تضم القضية الأولى: أحمد زينهم، عامل – عبد الفتاح كمال، جزار – رامي شفيق – هشام عبد الحميد، سائق.
وأُلقى القبض على عبد الحميد في 18 يناير 2018، في جمرك ميناء مدينة ضباء، بعد اكتشاف سلطات الجمارك السعودية، كميات من مخدر إميفتامين، وحبات الترامادول، مخبأة بثلاث إطارات بشاحنة يقودها تحمل مجموعة من البضائع، قادمة من مدينة سفاجا المصرية، وتحفظت عليه واتهمته سلطات التحقيق السعودية لاحقًا بجلبها.
وألقت الشرطة السعودية حينها القبض على الـ3 الأخرين عند محطة الرحيلي للوقود، في طريق جدة – مكة السريع، بعد انتظارهم للشاحنة، للحصول على بضائع منها، فيما اتهمتهم السلطات السعودية، بأنهم مشاركون في تهريب المخدرات، وكانوا ينتظرون الحصول عليها، فيما أنكر المتهمون الـ4 علاقتهم بتهريب المخدرات.
وفي 15 مايو 2018، قضت المحكمة الجزائية في منطقة تبوك بالقتل تعذيرًا على المتهمون الـ4، وقالت التحقيقات السعودية إن “شفيق” و”زينهم” تلقا اتصالًا دوليًا من أحد الأشخاص في مصر للسؤال عن الشحنة قائلًا كلمة “البطاريات”، وكانت هناك صورة للشاحنة على هاتف “شفيق”، فيما دللت على مشاركة “كمال” في التهريب بالعثور على كميات مخدرة في منزله.
أوضح “شفيق” في التحقيقات أنه كان يتواجد في محطة “الرحيلي” لانتظار زميله “زينهم”، القادم من المدينة المنورة للبحث عن العمل، وأثناء تواجد “زينهم” بـ”الرحيلي” تلقى اتصالًا من أحد الأشخاص في مصر، يُخبره بأن هناك شاحنة قادمة يمكنه استلام “بطانيات” منها، وبسبب عدم وجود إنترنت لدى “زينهم”، أرسل الشخص المصري صورة للشاحنة على هاتف “شفيق”، فيما أوضح “كمال” أن المنزل الذي عُثر فيه على حبوب مخدرة، لا يعود إليه، وإنما حصل عليه بعدما سأل أحد معارفه في مصر عن منزل يمكن أن يمكث به في السعودية.
واستأنف المتهمين الـ4 على الحكم، وفي 28 نوفمبر 2019، أيدت محكمة الاستئناف في مدينة تبوك الحكم، وتقول أم طلعت شقيقة “زينهم” ، إن شقيقها كان يحاول التجارة في القماش لكسب الرزق، وبعد حضوره معرض للأقمشة في المدينة المنورة، ذهب لمدينة جدة بعدما تواصل مع تاجر مصري أخبره بأن هناك بضاعة “بطاطين” قادمة إلى السعودية، يمكن أن يشتري منها جزء.
القضية الثانية تخص عصام الشاذلي، 27 عامًا، المقبوض عليه منذ عامين ونصف، وصدر حكم أول درجة عليه بالقتل تعذيرًا في 30 نوفمبر 2022، وأُيد في 5 فبراير 2023.
اتهمت السلطات السعودية “الشاذلي”، بتهريب مخدر الإميفتامين، والأفيون، عبر البحر الأحمر، قرب مدينة نويبع بجنوب سيناء، واستند القضاء السعودي في رفض الاستئناف، إلى اعتراف “الشاذلي” بالواقعة، ورفض طلبات محاميه بتخفيف العقوبة.
وتقول والدة “الشاذلي”، إنه يعمل كغواص مع الصيادين لتثبيت أدوات الصيد، وأن المياه جرفته قرب الحدود السعودية البحرية، مُضيفة أن اعترافاته كانت تحت التهديد، فليس معقولًا أن يعترف بالتهريب، حسبما تقول.
القضية الثالثة تخص الصيادين محمد أحمد سعد، وعمر أحمد إبراهيم، اللذان أُلقي القبض عليهما في 10 مايو 2017، في محافظة البدع التابعة لمنطقة تبوك بالسعودية، بعد رصد قوات حرس الحدود لاقتراب قاربهما من مركز الشيخ حميد، واتهمتهم بأنهم كانوا يهربون مخدرات في أجولة كانت على القارب، وأجولة أخرى شُونت بجوار القارب.
واجهت النيابة السعودية “سعد” باعترافه بالواقعة، لكن أثناء المحاكمة أوضح أن اعترافاته جاءت بعد تهديده بـ”الضرب”، فيما أنكر “إبراهيم” أثناء محاكمته علاقتهما بتهريب المخدرات، وأوضح أنهما كانا يصطادان الأسماك قرب جزيرة تيران، وأن القبض عليهم جاء بعد مطاردة السلطات السعودية لقوارب أخرى كانت بجوارهما، وقُضي على “سعد” و”إبراهيم” بالقتل تعذيرًا في 2 أكتوبر 2018، وتم تأييد الحكم في 25 مايو 2020.
ويوجد درجة قضائية أعلى في السعودية بعد الاستئناف، وهو الاعتراض أمام المحكمة العليا (النقض)، لكن المصادر التي تحدثنا إليها، أوضحوا عدم قيامهم بذلك لأسباب مختلفة، منها عدم علمهم بها، وصعوبة توكيل محام.
محاكمات لا تفي بمعايير النزاهة
وأعرب خبيران أمميان مستقلان في مجال حقوق الإنسان، عن القلق بعد إعدام المصريين الثلاثة، ودعوَا الحكومة السعودية إلى الوقف الفوري للإعدام الوشيك لثلاثة أشخاص آخرين من مصر والأردن.
وقال الخبيران إن الأفراد الذين أعدموا، والمصريون الذين ينتظرون الإعدام، صدرت بحقهم أحكام بالإعدام بسبب جرائم مخدرات في محاكمات “يبدو أنها لا تفي بالمعايير الدولية للنزاهة والإجراءات القانونية الواجبة”.
وأعرب الخبيران عن القلق بشأن ما يبدو أنه “تطبيق يتسم بالتمييز لعقوبة الإعدام ضد المواطنين الأجانب”، الذين يمثلون حتى الآن 75% من جميع الإعدامات المرتبطة بجرائم المخدرات في السعودية خلال عام 2024.
استغاثات دون استجابة
بعد علم ذوي المصريين المهددون بالإعدام، أنه تم تجميعهم في عنبر واحد، بدأوا في تقديم طلبات استغاثة، للسفارة السعودية بالقاهرة، ووزارة الخارجية، ومشيخة الأزهر، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، ومكتب النائب العام، ومقر مجلس النواب بالعاصمة الإدارية، وقصر الاتحادية.
باستثناء وزارة الخارجية التي طلب مسؤول فيها من الأهالي كتابة “طلبات استرحام للملك” واعدًا بالتواصل مع وزارة خارجية السعودية، لم يلتقِ الأهالي بأي مسؤول في أي من المؤسسات التي توجهوا لها، بينما حصلوا على وعود من أمن البوابات والسكرتارية “بتوصيل شكواهم”، فيما أحضرت السفارة السعودية الشرطة لصرفهم بعيدًا عن مقرها، حسبما يقول أحد أهالي المتهمين
“إحنا ناس على باب الله.. عايزين حد يوصل صوتنا للملك السعودي.. ولي العهد.. طالبين استغاثة مش أكتر من كده، لو ينزلوا (يخففوا) الحكم حتى”، تقول أم عصام، والدة أحد المتهمين.