كتب – محمد أبو الدهب..
بعد مرور 29 عامًا على حادث اغتيال دبلوماسي مصري في مدينة جنيف بسويسرا؛ قدّمت النيابة العامة الفيدرالية السويسرية أول اتهام رسمي ضد متهمين اثنين في هذه القضية.
المتهمان في القضية هما رجل يبلغ من العمر 54 عامًا، إيطالي من أصل إيفواري، وامرأة تبلغ من العمر 49 عامًا، تحمل الجنسيتين الإيطالية والسويسرية.
بداية القصة.. ماذا حدث عام 1995؟
في 13 نوفمبر 1995؛ أطلق مجهولون النار على دبلوماسي مصري بوساطة مُسدَّس نصف آلي في مرآب سيارات المبنى السكني الذي كان يقيم فيه بضاحية بيتى-ساكونيكس في جنيف بسويسرا.
والدبلوماسي المصري المغدور به؛ هو المستشار علاء الدين نظمي، نائب رئيس المكتب التجاري للبعثة المصرية في جنيف، الذي كان يبلغ من العمر 42 عامًا آنذاك.
وتولى نظمي منصبه في جنيف منذ يناير من عام 1994، بعدما عمل كملحق أو مستشار تجاري في البعثات الدبلوماسية المصرية في واشنطن وهامبورغ.
6 طلقات أُطلقت على جسد الدبلوماسي المصري، كانت كفيلة بإنهاء حياته، وسقوطه جثة هامدة وسط بركة من الدماء داخل مرآب السيارات، قبل أن يفرُّ الجُناة.
ورُغم تمكُّن الجُناة من الفرار؛ فأنهم تركوا سهوًا كاتم الصوت المُستخدم في الجريمة بمكان الحادث، وكان مصنوعًا يدويًّا من إسفنج مَسَاند الرأس الخاصة بالسيارات، ومُثبَّتًا بشريطٍ لاصق.
ومثّل كاتم الصوت حينها، الخيط الوحيد أمام السُّلطات الأمنية في سويسرا، ليصبح بعد سنوات من الحادث الوسيلة التي أوقعت بالجناة، وكشفت هويتهم.
آثار البصمات والحمض النووي يكشفان لغز حادث سويسرا
في البداية؛ بدأت النيابة العامة الفيدرالية بسويسرا، تحقيقًا جنائيًا موسّعًا ضد مجهول، وركّزت على بصمة عُثر عليها على كاتم الصوت.
وأُدخلت هذه البصمة في نظام التعرُّف على بصمات الأصابع الوطني، وأُرسلت عبر الإنتربول إلى 68 دولة للمُطابقة، ولكن لم يُعثر على أي تطابق.
والتقدُّم العلمي في تحليل آثار الحمض النووي، إضافة إلى التقنيات الحديثة والمتطوّرة في نظام التعرُّف على البصمات؛ ساهم في تحقيق تقدُّم كبير في التحقيقات، ما أثمر في النهاية عن تحديد هوية المُشتبه بهم، ولكن كيف حدث ذلك؟!.
بعد سنوات من البحث؛ عُثر على آثار للحمض النووي على كاتم الصوت، لكن هذه الأدلة لم تكن كافية لتحديد هوية الجُناة، ما أدى إلى تعليق التحقيق في ديسمبر 2009.
وفي يونيو 2016؛ استُخدم نظام مُحسّن للتعرُّف على بصمات الأصابع في سويسرا.
ومن خلال هذا النظام الجديد؛ اكتشف المحققون تطابق بين البصمة الموجودة على كاتم الصوت، وبصمة مواطن مزدوج الجنسية (إيفواري-إيطالي)، يبلغ من العمر 54 عامًا، ويُقيم في فرنسا.
وبناءً على هذه الأدلة الجديدة؛ أمرت النيابة العامة بإعادة فتح التحقيق بالقضية في يناير 2018.
ومع تقدُّم التحقيقات، وتحليل الأدلة على كاتم الصوت؛ توصّل المحققون إلى مُتهمٍ ثانٍ في القضية، وهي سيدة مُزدوجة الجنسية (سويسرية-إيطالية)، تبلغ من العمر 49 عامًا، وتعيش في جنيف.
نيابة سويسرا تواجه المُتهمين
بعد تحديد هوية المُشتبه بهم، وتحديدًا في ديسمبر 2018؛ أمرت النيابة العامة الفيدرالية في سويسرا بالقبض على المتهم الأول، وتبيّن أنه تاجر سيارات من جنيف، كان معروفًا لدى السلطات هناك بكونه مُجرمًا صغيرًا.
وألقي القبض على المُشتبه بها الثانية في القضية، وتبيّن للمحققين أنها كانت صديقة سابقة للمُتهم الأول، ووجهت النيابة لها اتهام بالتواطؤ في القتل، بالمشاركة في تصنيع كاتم الصوت مع المُتهم الأول.
ووجّهت النيابة العامة الفيدرالية في بيلينزونا اتهامات لهما بالضلوع في قتل الدبلوماسي المصري علاء الدين نظمي، ويبقى المتهمون أبرياء حتى تثبت إدانتهم في القانون السويسري.
لذا أُطلق سراح المُتهمة الثانية بعد فترة وجيزة من حبسها؛ بينما بقي تاجر السيارات قيد الاحتجاز، مُتمسكًا بأقواله، التي نفى فيها ارتكاب الجريمة.
ومكث المتهم بسجنه حتى مايو 2020، ثم غادر وأطلق سراحه بعد قرار المحكمة الاتحادية، التي قبلت استئنافه ضد تمديد هذا الاحتجاز، قبل أن يُعتقل مُجددًا في نهاية عام 2021 بتهمة الاغتصاب، ولا يزال قيد الاحتجاز الاحتياطي منذ ذلك الحين على ذمة القضيتين.
ورفضت محكمة الاستئناف الفيدرالية طلب الإفراج عنه، مُستندةً إلى تقرير نفسي أظهر أن المشتبه به يُعاني من اضطراب الشخصية المُعادي للمُجتمع مع ميول نفسية واضحة للعُنف.
وأدخلت السُّلطات الأمنية عميلًا سريًّا إلى زنزانة المُشتبه به، مُزوّدًا بهاتف محمول مُعد خصيصًا لجمع الأدلة، لكن المحكمة قضت بعدم قانونية هذا الإجراء.
وتعد الهجمات التي تستهدف دبلوماسيين في جنيف، نادرة، إذ أشارت السلطات السويسرية إلى أن الحادثة الأخيرة المشابهة، وقعت قبل أكثر من 20 عامًا، حين أُصيب السفير التركي بجروح في هجوم نفذه الأرمن في العاصمة بيرن.
اتهامات لجماعات الإسلام السياسي
بسبب شكوك حول وجود خلفية إسلامية ودوافع سياسية للحادث؛ توّلت المُدعية العامة آنذاك كارلا ديل بونتي، التحقيق في واقعة اغتيال الدبلوماسي المصري.
وأعلنت جماعة تُدعى «العدالة الدولية» -في بيان لها- وقت الحادث، مسئوليتها عن اغتيال الدبلوماسي المصري.
وترددت أقاويل وقتها- لم تتأكّد صحتها إلى الآن-، عن أن الدبلوماسي المصري كانت مُهمته الأساسية هي جمع المعلومات والتحقيق في تمويلات جماعة الإخوان المُسلمين في سويسرا.
وسادت تكهُّنات آنذاك حول تورط أيمن الظواهري، الذي أصبح فيما بعد زعيم تنظيم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن، في عملية الاغتيال.
وكشفت تحقيقات عن وجود الظواهري بالفعل بجنيف في عام 1995، لتلقي العلاج في عيادة خاصة بسبب إصابة بطلق ناري.
واتهم الإعلام المصري مرارًا سويسرا بإيواء اسلاميين مطلوبين، لا سيما زعيم تنظيم القاعدة المصري أيمن الظواهري، المحكوم عليه بالإعدام في مصر.
ورُغم كل هذه الشكوك والتكهُّنات؛ لم تُسفر التحقيقات عن أيّة نتائج، حتى عُثر على آثار الحمض النووي بكاتم الصوت؛ فهل يتمكّن القضاء السويسري في الفترة المُقبلة من كشف لغز اغتيال الدبلوماسي المصري، والدوافع الحقيقية وراء الحادث؟!.