كتبت – وفاء عثمان..
وسط زحمة التطور الحضري الذي تشهده العاصمة الرياض، يبرز “بيت عيسى” في حي عرقة كواحد من المعالم التراثية التي تجذب الأنظار.
يعود تاريخ هذا البيت إلى أكثر من مائة عام، حيث لم يكن مجرد منزل تقليدي من الطين والجص، بل أصبح رمزًا للتراث السعودي ووجهة سياحية للباحثين عن جمال الماضي وسط زخم الحاضر.
بداية القصة: منزل عائلي يتحول إلى ذاكرة جماعية
بيت عيسى، الذي سُمّي نسبة إلى عيسى بن عبدالرحمن، أحد أعيان الحي في بداية القرن الماضي، كان في الأصل مسكنًا عائليًا بسيطًا. يتكون من طابق واحد وساحة داخلية كبيرة تحيط بها الغرف من كل جانب.
صُممت جدرانه باستخدام الطين المخلوط بالتبن، وسقفه المصنوع من خشب الأثل وسعف النخيل يعكس عبقرية البناء التقليدي في مقاومة حرارة الصيف وبرودة الشتاء.
ورغم قدمه، ظل البيت شاهدًا على تطورات عديدة في الحي، حيث كان ملتقىً للأهالي ومكانًا للتشاور في أمور الحي.
ولطالما ارتبط بأحداث اجتماعية بارزة، من تجمعات رمضان إلى حفلات الزواج، مما أكسبه قيمة معنوية تفوق مجرد كونه منزلًا.
إحياء التراث: من التهديد بالاندثار إلى واجهة سياحية
مع مرور الوقت، وتقدم العمر بالبيت، واجه خطر الإهمال والتآكل بسبب قسوة الزمن وتغير أنماط الحياة. لكن مبادرة أطلقتها هيئة التراث بالشراكة مع عائلة عيسى في عام 2020 أنقذته من الاندثار.
قامت الجهات المعنية بترميم البيت باستخدام تقنيات تراثية تحافظ على أصالته، وتم تعزيز بعض أجزائه لضمان سلامته.
وعقب الترميم، تم تحويل البيت إلى وجهة سياحية متكاملة تضم متحفًا صغيرًا يحكي تاريخ الحي، ومقهى تراثيًا يقدم أطباقًا تقليدية، فضلًا عن ورش عمل تُعرّف الزوار بأساليب البناء القديمة مثل صناعة الطوب التقليدي والزخرفة اليدوية.
بيت عيسى اليوم: بوابة إلى الماضي
اليوم، أصبح بيت عيسى مقصدًا للزوار من داخل الرياض وخارجها. السياح يأتون للاستمتاع بجولة بين أركانه التي تحتفظ بعبق الماضي، حيث يمكنهم رؤية الأثاث القديم والمقتنيات التراثية التي كانت تستخدم يومًا في الحياة اليومية لأهالي الحي.
بالإضافة إلى ذلك، يستضيف البيت فعاليات موسمية مثل سوق الحرف اليدوية الذي يتيح للزوار شراء منتجات تقليدية، وورش تعليمية للأطفال لتعليمهم فنون التراث السعودي.
رمز للهوية الوطنية
بيت عيسى ليس مجرد مبنى تراثي، بل هو رمز لتاريخ حي عرقة وهويته. فبين جدرانه تروى قصص الحياة البسيطة والحميمية التي عاشها أهل الرياض في الماضي، وهو اليوم يمثل جسرًا بين الأجيال للحفاظ على التراث السعودي من الاندثار.
ومع ازدياد أعداد الزوار، يواصل بيت عيسى رسالته في تعزيز الروح الوطنية وتعريف الأجيال الجديدة بجماليات الحياة القديمة، ليبقى شاهدًا حيًا على أن الماضي يمكن أن يعيش بيننا، متجددًا ومتألقًا وسط تطورات الحاضر.