كتب – حسام خاطر
يظن الكثيرون أن يمكن السفر إلى الولايات المتحدة كلاجئ، عن طريق تقديم طلب لجوء في مقر السفارة الأمريكية بالقاهرة، عن طريق تقديم دوافع من نوعية الاضطهاد العرقي أو الجندري أو السياسي، وهو اعتقاد رسخته بعض الأفلام السينمائية، مثل فبراير الأسود، لكن الحقيقة مخالفة لذلك تمامًا.ف
فالأكيد قانونًا أنه لا يمكن تقديم طلب لجوء لأي دولة إلا بعد دخول أراضيها بالفعل، أو من على حدود تلك الدولة، وهو ما يؤكده محمد عبد العظيم، وهو محام حقوقي مصري مقيم في الولايات المتحدة، حيث قال لـ«وصال»، إن تقديم طلب لجوء للسفارة الأمريكية بالقاهرة مجرد وهم، موضحًا أنه لا يوجد مسؤول داخل السفارة يستطيع أن يمنح مواطنًا مصريًا موافقة على اللجوء.
«عبد العظيم» أوضح أن طلب اللجوء يكون فقط من داخل الأراضي الأمريكية بعد العبور إليها بوسائل النقل المختلفة، وحتى لو كان هبوط الشخص طالب اللجوء كترانزيت في الدولة، لكن هناك بعض الاستثناءات يحق معها طلب اللجوء من السفارة، لاعتبارات إنسانية محدودة جدًا، ووفق ضوابط قانونية، لكنها لا تمنح أيضًا حق اللجوء إلى مباشرة بل يحصل صاحب الحالة الإنسانية تأشيرة زيارة إلى أمريكا، وبعد الوصول يمكن للراغب في اللجوء تقديم طلبه.
«م.س» فتاة من أسرة مرموقة مسلمة الديانة، ارتبطت عاطفيًا بشخص بهائي، وأسفرت علاقتهما عن حمل تلك الشخصية، واجه الثنائي مشكلة في توثيق الزواج لإثبات نسب الطفل واستخراج شهادة ميلاد له، لأن قوانين الأحوال الشخصية المصرية لا تسمح للمسلمة بالزواج من شخص مختلف عنها في الديانة.
كتبت الفتاة خطابًا لمسؤول في السفارة الأمريكية بالقاهرة تشرح له حالتها وتطلب منه تيسيرات كي تسافر إلى الولايات المتحدة وتضع مولودها هناك، وأكدت في خطابها أن هدفها وزوجها تأمين علاقة الزواج وميلاد الطفل وليس لديهما أي مشاكل إضافية مع الحكومة المصرية، فجاءها الرد من مسؤول السفارة واضحًا أنه سيسهل لهما زيارة أمريكا بتأشيرة سياحية، حيث يمكنها إنجاب المولود واستخراج الوثائق اللازمة له ولكنه ليس مسؤولًا عن قرارهما اللاحق بطلب اللجوء من عدمه.
وبالفعل سافرت الفتاة وزوجها إلى أمريكا رغم ما قد يحمله ذلك من مخالفة قانونية ففي بعض الأحيان يتشكك موظفو الهجرة في المطارات في أن السفر السياحي للمرأة الحامل هدفه إنجاب الطفل في أمريكا والحصول على الجنسية الأمريكية، لكن توصية مسؤول السفارة حالت دون تلك التعقيدات.
وفي الولايات المتحدة تزوج الثنائي بموجب عقد مدني؛ لعدم ممانعة القوانين هناك في زواج مختلفي الديانة، وبعد الزفاف بحوالي أسبوع وضعت السيدة مولودها «بنت» في مستشفى أمريكي، ثم استخرجا لها شهادة ميلاد وجواز سفر أمريكيين كون الطفلة أصبحت مواطنة أمريكية، وعندما ذهبا إلى مقر السفارة المصرية في أمريكا لتسجيل شهادة الميلاد وإثبات الجنسية المصرية للطفلة بحكم أنها مولودة لأب وأم مصريين رفض مسؤول السفارة المصرية ذلك عندما فحص قسيمة الزواج ووجد أن تاريخ الزواج قبل ميلاد الطفلة بأسبوع واحد فقط.
ورغم ذلك فضّلت الزوجة المسلمة وزوجها البهائي العودة إلى مصر وعدم طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد استخراج الوثائق الأمريكية اللازمة للطفلة، وحتى يومنا هذا تُعامل طفلتهما في مصر على أنها مواطنة أمريكية وليست مصرية.
المحامي محمد عبد العظيم بيّن أن الحالات الإنسانية لطلب إذن السفر من السفارة الأمريكية في القاهرة لا تخضع لأية معايير أو قواعد، مضيفًا: “إذا استطعت الوصول بشكل شخصي إلى أحد المسؤولين داخل السفارة وأقنعته بقضيتك وأبدى استعداده للتضامن أو المساعدة بأي شكل فحينذاك قد يحاول مساعدتك تطوعًا منه وليس بشكل مؤسسي أو حكومي أو قانوني”.
قيود على اللجوء منذ عهد ترامب
وأشار إلى وجود قيود على قبول طلبات اللجوء إلى أمريكا منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، موضحًا أن تلك القيود مستمرة على استحياء في عهد الرئيس الحاليّ جو بايدن، وأردف: «الخلاصة أو القاعدة الأساسية إن مسؤول السفارة ممكن يطردك من مكتبه لو طلبت لجوء وأنت مقيم في بلدك الأصلي».
واللجوء هو صفة قانونية قوامها حماية تُمنح لشخص غادر وطنه خوفا من الاضطهاد أو التنكيل أو القتل بسبب مواقفه أو آرائه السياسية أو جنسه أو دينه، ولخص «عبد العظيم» شروط تقديم طلب اللجوء في أنه لابد أن يُقدم على أراضي الدولة المطلوب اللجوء إليها، وألا يكون قد مضى على تاريخ دخول الشخص الطالب للجوء إلى تلك الدولة 12 شهرًا.
وأكد أن الشرط الأساسي لتقديم طلب اللجوء هو أن تكون حياة الشخص الطالب للجوء داخل موطنه الأصلي في خطر، وأشار إلى حالات صادفها أثناء عمله كمحامي معني بشؤون اللجوء لأشخاص يقدمون طلبات لجوء بعد مرور أكثر من سنة على دخولهم للأراضي الأمريكية: «في ناس بتدخل أمريكا تهريب وتنتظر لما تحصل لها مشكلة أو يتقبض عليه ويقدم لجوء ودا بيترفض لأن معنى انتظاره إن حياته مكنتش في خطر».
وأشار إلى اعتقاد خاطئ بأن جميع قضايا اللجوء التي يقدمها المصريون خاصة المسيحيون تُقبل، لكنه أوضح: «مفيش حاجة اسمها تعميم في قضايا اللجوء لا المصريين أو المسيحيين المصريين قضاياهم كلها مقبولة، هذه القضايا تُقدم كل على حدة وكل قضية لها ظروف معينة، ممكن يكون 10 مصريين قدموا قضية في وقت واحد لكن لا ينظرها نفس القاضي أو نفس الموظف».
وأوضح أنه عند تقديم الشخص طلب لجوء في المطار أو على الحدود فإنه يخضع لمقابلة مع ضابط الهجرة والذي قد يوافق على منحه اللجوء بعد تأكده من صدق الشخص مقدم الطلب وأن حياته فعلًا في خطر، وقد يرفض الضابط الطلب عند تشككه في أقوال هذا الشخص، وحينذاك تُحال القضية إلى محكمة أمريكية.
وأكد ضرورة أن يذكر طالب اللجوء في طلبه أنه يخشى على سلامة جسده من التعذيب أو القتل أو التنكيل مع دعم أقواله بالمستندات التي تُثبت صحة ادعائه، مضيفًا أنه من الممكن أن يبدي الشخص طالب اللجوء تخوفه من التعذيب في بلده حتى لو لم يكن هذا التعذيب سيطاله بشكل شخصي، وحينذاك يمنحه القاضي الأمريكي حق الحماية من التعذيب ويعيش في الولايات المتحدة تحت بند الحماية دون التمتع بحقوق المواطن الأمريكي ودون الحصول على الإقامة الدائمة «الجرين كارد» والجنسية أو حتى الالتحاق بوظيفة آدمية.
محام حقوقي: 90% من طلبات لجوء المصريين إلى أمريكا “وهمية”
وأوضح أنه من واقع خبرته فحوالي 90% من طلبات لجوء المصريين إلى أمريكا وهمية وتأتي بحثًا عن لقمة العيش، مشيرًا إلى أنه صادف أشخاص قدموا إلى الولايات المتحدة بتأشيرة سياحية أو للدراسة وأثناء إقامتهم المؤقتة يبحثون عن الإقامة الدائمة والجنسية ويكونون حينذاك أمام خيارين إمام الزواج من مواطنة أمريكية أو تقديم طلبات لجوء.
«ج.ر»، عضوة في حركة سياسية مصرية، تزوجت بعد ثورة يناير ثم استقالت من الحركة وأنجبت طفلين، وقبل عامين انفصلت عن زوجها وسافرت إلى الولايات المتحدة بصحبة طفليها، حيث قدمت طلب لجوء إلى ضابط الهجرة في مطار نيويورك، قائلة إنها تخشى من التعرض للسجن والتعذيب والقتل في مصر بسبب موقفها السياسي وأنها كانت عضوة في حركة يصنفها القضاء المصري على أنها كيان إرهابي.
تشكك ضابط الهجرة داخل مطار نيويورك في حقيقة ما قالته ورفض منحها اللجوء، فهي لم تعد عضوة مؤثرة في الحركة ولا دلائل على تعرضها للاضطهاد في بلدها بسبب انتمائها السابق، فأحيلت القضية إلى المحكمة واستعانت الشابة بمحامٍ ذو خبرة عرض حالات لأصدقائها القدامى في الحركة ممن تعرضوا للسجن، وحينذاك وافق القاضي على طلب لجوئها، وذكر في منطوق الحكم أنها أم وتعول أطفالًا وعودتها إلى مصر قد تحمل مشكلات لأطفالها ومن المحتمل أن تتعرض هي الأخرى للضرر، وكانت حينذاك الموافقة على طلب اللجوء تحت بند الضرر الاحتمالي المزعوم وليس الفعلي.
ويقسّم «عبد العظيم» طلبات اللجوء إلى قسمين، الأول سياسي بسبب وجود اضطهاد سياسي أو ديني أو عرقي واقع على الشخص الطالب للجوء في موطنه الأصلي، مثل أن يزعم الشخص أنه من فئة تتعرض للاضطهاد مثل المسيحيين ولكن، وفقا لعبد العظيم: «حتى طلب المسيحيين للجوء إلى أمريكا مبقاش مثلما كان يحدث في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ولازم مقدم الطلب يثبت بالمستندات إنه مسيحي يتعرض للاضطهاد في محل سكنه وأنه حتى لو انتقل إلى منطقة أخرى في نفس الدولة سيتعرض للاضطهاد نفسه».
والقسم الثاني إنساني سببه وجود حرب أو وباء أو ظروف عامة في بلد الطالب تشعره بالقلق على حياته وسلامة جسده عند العودة، مستشهدًا باللاجئين السوريين والسودانيين بسبب ظروف الحرب في بلدهم، وبيّن أن الادعاء بوجود حرب أو وباء لا تتناسب مع الظرف المصري باستثناء بعض الحالات مثل بدو سيناء، إذ يستطيع طالب اللجوء من بدو سيناء الادعاء بأن هناك حرب على الإرهاب في سيناء وأنه لا يستطيع العودة إلى هناك خوفا على حياته،
«ج.ح» مصري مسيحي الديانة تقدم بطلب لجوء إلى الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وزعم في طلبه أن الإسلاميين المتشددين في محل سكنه يضعون مكبر الصوت الخارجي الخاص بمسجد المنطقة فوق شرفة شقته، وهذا كان سببًا مقنعًا للقاضي ليقبل طلب لجوئه مع التساهل في منح طلبات اللجوء في عهد أوباما.
أكد «عبد العظيم» أن تلك السياسات في قبول طلبات اللجوء انتهت مع عهد أوباما وأصبح يتحتم على طالب اللجوء من فئة المضطهدين دينيًا أو عرقيًا أو عصبويًا من قبل مجموعات معينة أو أشخاص أن يجيب على سؤالين أحدهما عن مدينة إقامة طالب اللجوء في موطنه الأصلي «من أي مدينة مصرية أنت؟»، فيقول طالب اللجوء مثلًا «مدينة بني مزار في محافظة المنيا»، فيلحقه القاضي أو موظف الهجرة بسؤال آخر «هل لو انتقلت إلى مدينة أو محافظة أخرى ستعاني من الاضطهاد نفسه؟».
وأوضح أنه على الطالب اللجوء حينذاك التدليل على أنه سيتعرض للاضطهاد أيضًا مع الانتقال إلى مدينة أو محافظة أخرى داخل نفس البلد وهذا صعب، كون المواطنين المسيحيين الآن أصبحوا غير قادرين على الادعاء بأنهم مضطهدين دينيًا من قبل الدولة المصرية وسط العديد من التقارير الحقوقية الدولية التي تؤكد حسن معاملة الدولة للمسيحيين واحترامها لحرية الدين بالإضافة إلى التفاهم بين الدولة والكنسية القبطية.