كتب – هاني جريشة..
يعتبر أحد الخبراء في السياسة الخارجية الأمريكية ويُفضل العمل بعيدًا عن الأضواء، ويعمل ضمن فريق يُطلق عليه «الرجال الرماديين»، الذين يؤثرون بشكل كبير على صناعة القرار الأمريكي، فهو من أهم الرجال الرماديين في واشنطن حاليًا هو الباحث من أصل مصري محمد سليمان، مدير برنامج التكنولوجيا والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية، قال كارلو روا الباحث المشارك في معهد السلام والدبلوماسية والباحث الزائر في معهد الدانوب، إن هؤلاء الرجال الأقل شهرة هم من يُطلق عليهم «الرجال الرماديين» وهم يعملون بهدوء منعزلين ويشعرون بالراحة للعمل خلف الكواليس.
وأضاف: «يمثلون ظاهرة نادرة نسبيًا في الولايات المتحدة الغنية بوسائل الإعلام التي تجعل من الخبراء والمفكرين صناع محتوى، لكن الرجال الرماديين لا يحبون الظهور في وسائل الإعلام ولا يسعون وراء الشهر وغالبًا ما يكتفون بألقاب أو مناصب رسمية متواضعة، إن حصلوا عليها».
الحقيقة أن منصب سليمان على الورق يبدو متواضعًا، ولا يعكس الأهمية الكبيرة للرجل حاليًا، بعد أن جذبت أفكاره بشأن توازن القوى المتغير في الشرق الأوسط انتباه كبار صناع السياسة الأمريكيين بحسب «روا» رئيس التحرير التنفيذي السابق لمجلة ناشونال إنتريست.
وأضاف «روا»: «أصبحت أفكار ورؤى محمد سليمان تلعب دورًا مهمًا في تشكيل السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية في بيئة جيوسياسية متصدعة ومتعددة الأقطاب بصورة متزايدة».
يأتي «سليمان» من خلفية مختلفة عن خبراء السياسة الخارجية النمطيين في واشنطن، فهو مصري الأصل ولد وتربى في القاهرة حتى منتصف العقد الثالث من عمره، وشهد العديد من أحداث العالم الكبرى من منظور مختلف.
وهو كعربي ومسلم لم تكن أحداث مثل حرب كوسوفو وهجمات 11 سبتمبر و الغزو الأمريكي لكل من أفعانستان والعراق، بالنسبة له أمثلة على النوايا الحسنة أدت إلى تدخلات عسكرية مثيرة للمشاكل، وإنما كانت أيضًا قصصًا لتفكك الدول وخلق كوارث إنسانية.
وقال رئيس التحرير التنفيذي السابق لمجلة ناشونال إنتريست: «كان قدوم الربيع العربي في بدايات العقد الأول من الألفية الجديدة، وخاصة ثورة 25 يناير في مصر، هو الذي أثر على سليمان أكثر من غيره في البداية».
وتابع: «كان مثاليًا مؤيدًا للديمقراطية، لكنه سرعان ما أدرك مدى عمق المشكلات الهيكلية والمصالح المتضاربة في دول المنطقة والتي تشكل عائقًا أمام الإصلاح الديمقراطي أكثر مما يشكله الافتقار إلى الإرادة السياسية للإصلاح، وعندما كان يدرس الهندسة في الأكاديمية المصرية لعلوم الطيران بدأ يتقبل بل ويتبنى المنطق القاسي للأزمات الدائمة ويصيغ رؤية عالمية تعزز استخدام السياسة الواقعية».
ويرى كارلو روا أنه كان ما يحتاجه الشرق الأوسط من وجهة نظر سليمان الذي انتقل إلى واشنطن وهو في منتصف العشرينات من عمره، هو استعادة التوازن المستقر للقوة، الذي فقدته المنطقة بعد الغزو الأمريكي للعراق وانهيار الدولة السورية وغرقها في مستنقع الحرب الأهلية، وهذا النوع من الاضطراب يعرف بالصراع الدوار الذي لا نهاية له في الأفق، وبالنسبة لسكان منطقة الشرق الأوسط، فإن الحرب تعني تدهور الاقتصاد ومعاناة لا تنتهي، وبالنسبة للسياسة الخارجية والمصالح القومية الأمريكية تعتبر الاضطرابات في الشرق الأوسط مدمرة.
وتابع: «الاضطراب المستمر في الشرق الأوسط يطارد واشنطن ويعقد جهودها للانسحاب من المنطقة بهدف التركيز على التحديات والتهديدات التي تواجه المصالح الأمريكية في منطقة المحيط الهندي-الهادئ مع تنامع النفوذ الصيني سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، في الوقت نفسه فإن الحرب الإسرائيلية الدائرة في غزة والتوترات المتصاعدة في البحرين الأحمر والمتوسط تقدم نماذج مدرسية مثالية لهذا التصور».
وأردف: «لكن كيف يمكن إعادة الاستقرار إلى الشرق الأوسط؟ اصطدم محمد سليمان بهذا السؤال المعضلة عندما بدأ الانخراط في دوائر السياسة الخارجية بواشنطن، بدراسته للحصول على درجة الماجستير من كلية الشؤون الخارجية في جامعة جورج تاون، وحصوله على مجموعة من المنح والعمل في عدة مناصب استشارية في العاصمة الأمريكية».
وأضاف: «تتضمن هذه القائمة مناصب في المؤسستين الرئيسيتين اللتين ما زال يعمل معهما وهما معهد الشرق الأوسط وشركة ماكلارتي أسوشيتس للاستشارات التي أسسها توماس ماكلارتي الثالث كبير موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون».
وعندما سئل عن سليمان قال ماكلارتي إن: «محمد جزء من الجيل القادم لكبار قادة السياسة الخارجية مع الذين يمتلكون رؤية حريصة على التعامل مع الديناميكيات والمشهد السياسي المتغير في الشرق الأوسط والشؤون الإقليمية على نطاق أوسع».
هذه الإشادة أكدها سي راجا موهان، الباحث في معهد آسيا لسياسة المجتمع وخبير السياسة الخارجية الهندية البارز، حيث قال إن: «سليمان يمثل مجموعة صغيرة لكنها مهمة من الباحثين الذين يقدمون طرقًا جديدة موثوق فيها للتفكير في الشؤون العالمية، والتي لا تمتثل للأفكار السائدة في الغرب ولا تصطدم بها في الوقت نفسه».
وردًا على سؤال المحلل كارلوس روا سليمان عن مدى تأثيره على المبادرات الأخيرة للحكومة الأمريكية، اكتفى بابتسامة مراوغة.
وعندما عاد «روا» إلى سليمان وسأله عما يمكن أن يحدث في قادم الأيام؟ وعمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة؟ وكيف ستؤثر النتيجة على جهوده بعد ذلك؟ وأخيرًا كيف يرى النظام العالمي في الأيام المقبلة خاصة في ضوء اقتراب نهاية النظام العالمي الذي يقوده الغرب، قال «روا» إن سليمان ابتسم مجددًا وقال إنه وإن كان شخصية عامة فإنه ما زال يعمل لدى شركة ماكلاريتي للاستشارات كاستشاري محترف، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يدلي بكل التوصيات أو الآراء على الملأ.
وتابع: «ثم قال سليمان الحقيقة أنني وأنت إلى جانب كل هؤلاء المفكرين وصناع السياسة الدولية مقتنعون بأن صعود آسيا بات أمرًا حتميًا، والمطلوب الآن هو صياغة أطر عابرة للأقاليم من أجل استعادة استقرار العالم المضطرب حاليًا، فنحن نريد منع المزيد من التفكك، وإلا فإن الحرب في أوكرانيا، وغزة، والانقلابات في منطقة الساحل الأفريقي وأزمة تايوان لن تكون سوى نذير بما ينتظرنا من كوارث أكبر في المستقبل».