كتب – حسام خاطر
رغم أن دار الإفتاء المصرية وغيرها من المؤسسات الدينية الإسلامية ذائعة الصيت في المنطقة العربية أباحت الأطعمة والمشروبات المصنوعة والمعبأة والمقدمة بمعرفة أهل الكتاب إلا أن بيزنس الطعام الحلال راج جدًا في أوروبا، خلال الآونة الأخيرة، وسط غياب الرقابة الكاملة على تلك السوق.
وكلمة «حلال» المقصود بها الطعام والشراب المُباح تبعًا للشريعة الإسلامية، لذا فإن معظم الأطعمة والمشروبات حلال للمسلمين ما لم يرد في تحريمها نص في القرآن الكريم أو السُنة النبوية، مثلما هو الحال في تحريم الدم ولحم الخنزير والميتة بالإضافة إلى النهي عن شرب الخمر وتناول المُسكرات.
وزاد طلب المهاجرين المصريين والعرب والمسلمين بل وحتى غير المسلمين على اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية، والتي تلزم بذبح الحيوان من رقبته وسفك الدم بالكامل مع التسمية قبل الذبح، وذلك لاعتبارات دينية وصحية، وفقًا لمؤسسة أبحاث السوق البريطانية Triton Market Research.
وأفتى الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الديار المصرية الأسبق، أن الإسلام أباح للمسلمين أن يأكلوا من ذبائح أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى؛ مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾. وقال إن كتب السنة حفلت بأنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يأكل ذبائح اليهود دون أن يسأل هل سموا عند الذبح أم لا، وكذلك الصحابة.
وأوضح أنهم إذا كانوا لا يذبحون الحيوان، وإنما يميتونه بالخنق أو الضرب أو الصعق حتى الموت، فإنَّ على المسلم أن يمتنع عن أكل هذا اللحم؛ لأنه يدخل بهذا الاعتبار في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: 3].
وبينّ أنه إذا جُهل حال اللحم أذبح بالطريقة الشرعية أم لا، وهل ذكر اسم الله عليه أم لا، وجب على مَن يتناول هذا اللحم أن يذكر اسم الله عليه ويأكل منه، وتابع: «أمَّا اللحم الذي عُلِم بيقين أنه لم يذبح أصلًا، إنما مات ضربًا أو خنقًا أو صعقًا أو غير ذلك فإنه يحرم على المسلم أكله».
15 مليار دولار أمريكي حجم سوق الأكل الحلال في أوروبا
وقُدر حجم سوق الأغذية والمشروبات الحلال في أوروبا بحوالي 14.66 مليار دولار أمريكي في عام 2023، وهناك توقعات بوصول ذلك الرقم إلى 19.26 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب تبلغ نسبته 5.61٪ خلال الفترة المتوقعة، وفقًا لوكالة Mordor Intelligence المتخصصة في تحليل ورصد الأسواق العقارية والقطاعات الصناعية.
وبحسب «Mordor Intelligence»، فإن سوق الطعام الحلال في المملكة المتحدة هو الأكثر ازدهارًا في أوروبا، إذ يعيش في بريطانيا 3.9 مليون مسلم يتزايد طلبهم على المنتجات الحلال. وهناك توقعات باحتفاظ قطاع منتجات اللحوم بحصة سوقية كبيرة من تلك المنتجات، بسبب زيادة طلب المستهلكين على الحلال.
وكشفت لجنة مراقبة الحلال في المملكة المتحدة، عن ذبح 104 ملايين دجاجة في شهر مارس من عام 2020، بينها 8 ملايين ذُبحت على الطريقة الإسلامية بنسبة 20%، بهدف تلبية الطلب المتزايد على الذبائح الحلال. كما تبيع سلاسل السوبر الماركت البريطانية الشهيرة مثل تيسكو، وسينسبري، وماركس أند سبنسر، وويتروز، الأطعمة الحلال بما في ذلك اللحوم والمخابز والحلويات والوجبات الخفيفة.
وتوجه العديد من الشركات في بريطانيا استثمارات كبيرة إلى سوق الأغذية والمشروبات الحلال، إذ تحصل شركة For Aisha المتخصصة في تصنيع أغذية الأطفال على الطريقة الحلال على تمويل حكومي من مؤسسة الضمان الاجتماعي البريطانية. كما تقدم كنتاكي فرايد تشيكن قائمة طعام حلال واسعة في أكثر من 100 منفذ بيع، وناندو في حوالي 66 منفذًا، و«صب واي» لديه 202 منفذ حلال.
ويوجد في ألمانيا حوالي 180 ألف مزرعة ماشية، وهي ثاني أكبر منتج للحوم البقر في أوروبا، ورغم أنها دولة غير إسلامية لكنها تعمل على زيادة الطلب على اللحوم الحلال وغيرها من المنتجات الحلال من خلال زيادة صادراتها إلى الدول الأوروبية ودول منظمة المؤتمر الإسلامي، مدفوعة بنظامها البيئي الراسخ الذي يدعم سوق الأطعمة والمشروبات الصحية.
كما تنتشر أعداد كبيرة من المحلات المخصصة في بيع اللحوم الحلال في بريطانيا وأوروبا بصفة عامة، لكن اللافت أن أسعار اللحوم والدواجن التي تعلق لافتة “حلال” أغلى بشكل ملحوظ من نظيراتها التي لا تعلق نفس اللافتة، رغم أن تكلفة الذبح والنقل والتبريد واحدة، لكن بعض المحلات تستغل إصرار بعض الأسر على الشراء منهم وعدم شراء اللحوم الأخرى رغم الفتاوى العديدة التي تبيح ذلك، ويرفع السعر على المستهلكين، حتى أن كثيرا من المحلات تنسق مع بعضها البعض لضمان توحيد السعر.
جزارون يتاجرون باسم الذبح الحلال في إيطاليا
وتنتشر في إيطاليا مجازر الذبح الحلال و شركات الأطعمة والمشروبات العالمية مثل « Nestlé» ومتاجر البيع بالتجزئة على تقديم المنتجات الحلال، لكن أحمد خليفة، مصري مغترب في إيطاليا وصاحب مجزر لبيع اللحوم الحلال في مدينة بريشيا الإيطالية، يكشف عن مفاجأة أخرى حيث يؤكد أن بعض الجزارين يستغلون جهل المهاجرين المصريين والعرب بطريقة الذبح، ويبيعونهم لحومًا مذبوحة على غير الطريقة الإسلامية.
ويضيف أن القصابين الذين يتاجرون باسم «الذبح الحلال» يبيعون بأسعار رخيصة عن السوق، بهدف زيادة مكاسبهم، موضحًا: «لو كان سعر كيلو اللحم البقري غير المجمد والمذبوح على الطريقة الشرعية 6 ليرات، فإنهم يبيعونه بـ5.5 ليرة فقط».
ويوضح أن مجزره حاصل على شهادة بالذبح الحلال من المركز الثقافي الإسلامي في بريشيا، مشيرًا إلى أنه يكتفي بذبح الأبقار «الأبيض في أسود» المنتجة محليًا ويبتعد تمامًا عن شراء العجول المستوردة، كما يسمح للزبائن بحضور مراسم الذبح على الطريقة الشرعية.