ميلانو – أمير شاهين..
يواجه المصريون في إيطاليا كغيرهم من المغتربين في أي دولة مجموعة من التحديات لابد من التغلب عليها للحصول علي حياة هادئة مستقرة.
يعد الحصول على فرصة عمل مناسبة وتعلم اللغة والاندماج في المجتمع الإيطالي من أبرز تلك التحديات إلا أن الحصول علي سكن مناسب هو الأهم والأصعب في الوقت الحالي، فحتى يتمكن المغترب من استقدام أسرته من مصر لابد من وجود سكن مناسب للمعيشة، ويقوم موظفون من البلدية في إيطاليا بزيارة المسكن وتقرير ما إذا كان مناسباً من حيث الحالة والمساحة قياسا بعدد أفراد العائلة.
لم يكن العثور على سكن بهذا التعقيد بالنسبة للمصريين حتى وقت قريب، فما الذي حدث ليصبح العثور على سكن مناسب أمرا شديد الصعوبة؟
كريم نوار، وهو شاب متزوج حديثاً ويبحث عن منزل صغير حتى يتسنى له استقدام زوجته وابنته التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة شهور، إلا انه يواجه مشكلة كبيرة في ذلك، فبالرغم من عمله في أحد أكبر الشركات الإيطالية في مجال المعمار إلا انه يعاني منذ فترة ولم يتمكن حتى الآن من العثور على هذا السكن الذي تقبل به البلدية ومن ثم يتمكن من استقدام الأسرة.
أحمد البربري، الذي يعيش في مدينة مونزا منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ويمتلك شركة متخصصة في النظافة، يكشف كثير من أسباب هذه الأزمة بقوله في تصريحات لـ”وصال” إن المشكلة بدأت عند بعض المصريين الجشعين الذين استغلوا ثقة الإيطاليين في إعطائهم منزل للإيجار، ثم يقومون بتأجيره بدورهم من الباطن لأكبر عدد ممكن الشباب، ليس هذا فقط، لكنهم منذ الشهر الأول يتوقفوا عن دفع الإيجار للمالك الإيطالي، ويستغلون الروتين في إيطاليا حيث أن المالك لا يستطيع طرد المستأجر حتى لو توقف عن دفع الإيجار، فعليه أن يلجأ إلى المحكمة في إجراءات تقاضي طويلة حتى يحصل على قرار بالطرد، وقد يستغرق ذلك أكثر من عام كامل.
أيضاً تفاقمت الأزمة في الخمس سنوات الاخيرة عندما ازدادت معدلات الهجرة غير الشرعية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة عشر وخمسة عشر عاماً، وتسبب ذلك في أن يكون عدد الباحثين عن سكن أكثر بكثير من عدد المساكن المتاحة، ولذلك أصبح الملاك يدققون للغاية في اختيار المستأجر لوجود كثير من الخيارات لديهم، فيؤجرون المنازل لمن يثقون فيه بشكل كبير، ومن الجنسيات التي لم يُعرف عنها التسبب من مشاكل، وبالتالي يحاولون قدر الإمكان تجنب المصريين.
الحسنة تخص والسيئة تعم
تواصلت “وصال” أيضا مع أحد ملاك العقارات في مدينة ميلانو، وهو روبرتو ستفانيني، وسألناه عن سبب عدم تفضيل المصريين عند تأجير المنازل، فقال: “الإيطاليين يفترضون دائما حسن النية في من يأتي إليهم طالبا الحصول على مسكن للإيجار، ويأخذون كلامه علي محمل الصدق إلى أن يثبت عكس ذلك”.
وأضاف: “يأتي إلينا شباب من كل الجنسيات بحثاً عن سكن ويعرضون علينا مشاكلهم ويعرضون كافة الضمانات حتي أن منهم من يعرض دفع الإيجار مقدماً لمدة عام ولكن المشكلة الحقيقية تظهر بعد العام الأول حيث يتغير الشخص كلياً، فلا يدفع الإيجار ولا يرد حتى على المكالمات، وعندما نصل إليه ونطلب الإيجار المتأخر يعلو صوته ويتعامل معنا بشكل غير لائق، فنكتشف أننا تعاملنا مع الشخص الخطأ، وتجنباً لتلك الخسارة والمفاجآت أصبحنا نرفض التعامل مع جنسيات بعينها”.
واختتم: “لا أقول إن المصريين وحدهم من يقومون بتلك الأفعال، لكنهم الأشهر في ذلك خلال الفترة الأخيرة”.
وفي كل الأحوال يجب على المصري الباحث عن سكن في إيطاليا معرفة السوق المحلية عند البحث عن عقار للإيجار، ويمكن للمغترب أن يضمن أسعار إيجار معقولة في مدن مثل بيروجيا أو بولونيا، لكن فرص ذلك في روما أو ميلان أو فلورنسا منخفضة جدًا، حيث يصعب الحصول على سكن رخيص في هذه المدن، هذا في حالة العثور على السكن أصلا.
التمويل العقاري ممنوع على المصريين
لكن السؤال الذي طرحناه هنا: لماذا لا يلجأ المصريون، خصوصا الذين استقروا في إيطاليا منذ سنوات طويلة، إلى التفكير في شراء بيوت مملوكة لهم عن طريق التمويل العقاري، بدلا من البحث الدائم عن مساكن مناسبة للإيجار، خصوصا أن البنوك الإيطالية ترحب بتقديم التمويل العقاري للراغبين، حتى أنه قد تغطي من 80% إلي 100% من سعر الوحدة السكنية؟
طرحنا السؤال على مصدر متخصص في العقارات في ميلانو، فكشف أن البنوك بدورها أصبحت تتحفظ بدرجة كبيرة في إعطاء التمويل للمصريين، حيث أن عددا كبيرا من المصريين وتحديدا في الفترة بين 2004 و2008 اقترضوا بكثافة لشراء منازل، وبعد فترة قصيرة امتنعوا عن دفع الأقساط مستغلين كذلك بطء إجراءات التقاضي، حيث أنها في هذا النوع من النزاعات قد يصدر الحكم القضائي بسحب المنزل من صاحبه وإعادته إلى البنك بعد خمس سنوات في المتوسط، يكون الشخص خلالها قد جنى مبلغا كبيرًا من توفير الإيجار أو تأجير المنزل لغيره والحصول على المقابل، وبعضهم حتى يقرر الاكتفاء والعودة إلى مصر قبل صدور الحكم.
من هنا امتنعت البنوك بدورها عن منح البنوك للمصريين، حيث تم وضع الجنسية المصرية بكاملها في القائمة السوداء مع عدد من الجنسيات الأخرى، حتى أن أحد البنوك المشهورة بتسهيل التمويل العقاري وهو بنك يونيكريديت يرفض أصلاً التعامل مع المصريين تفاديًا لاحتمالية التعرض لموقف مماثل، وكما هو معروف رأس المال جبان، والبنوك ترغب في تأمين عودة أموالها قبل التفكير في منح أي تمويل، ومن هنا يعيش المصريون في أزمة حقيقية، فلا الإيجار سهل، ولا التمويل متاح.