كتب- أسماء البتاكوشي
في الثانية عشرة بعد منتصف الليل، كان آدم يحمل هم الانتقال إلى سكنه الجديد في بريطانيا، فهو لا يملك سيارة، ويجب عليه تسليم مفتاح سكنه القديم في الصباح الباكر، وخطر بباله فكرة أن ينشر طلب مساعدة على جروب المصريين في المدينة التي يعيش فيها، لكن أحدًا لم يبادر بالرد عليه.
فوجئ آدم في الرابعة صباحًا، باتصال هاتفي من رجل يبلغ من العمر 70 عامًا، يعمل مهندسًا ويعيش في بريطانيا منذ السبعينيات، كما أنه من المؤسسين للمسجد الموجود في مدينة ويلز البريطانية.
وتابع آدم حديثه خلال منشور له على أحد جروبات الجالية المصرية في بريطانيا، أن العجوز اعتذر له، قائلًا: ”أنا آسف لسه شايف الرسالة دلوقتي، مكانك فين وهجيلك”، ليخبره آدم بأن الوقت قد تأخر، لكن العجوز أصر قائلا”: ”ملكش دعوة أنا سهران، هجيلك”.
وصل العجوز إلى آدم، بسيارة تشبه “الڤان”، وتمكن خلال ساعتين من الانتقال للسكن الجديد، ورغم سنه الكبير اعتذر له عن عدم قدرته على حمل الأمتعة معه: ”عندي مشاكل ف كتفي كنت هشيل معاك والله”.
وقال آدم إنه انتهى من أكبر هم يحمله أي مغترب، وترك هذه القصة، ليسلط الضوء على شهامة المصريين في الخارج، موجهًا الشكر للعجوز الذي هب لنجدته، وبقى معه حتى تأكد أنه انتهى تمامًا من النقل.
موقف العجوز ليس الوحيد، لكن هناك كثيرين غيره يسارعون بمد يد العون لأشقائهم المصريين في الغربة، يقولون إن الشدائد تظهر معدن الناس، وهذا ما يبرهن عليه المصريون كل يوم، وأقربها خلال كارثة الإعصار دانيال الذي ضرب شرقي ليبيا، وأودي بحياة الآلاف، وكانت مدينة درنة الأكثر تضررا في الكارثة.
حينها بادرت العمالة المصرية الموجودة في ليبيا، بالوقوف على طريق طبرق – درنة، بعد شراء مواد غذائية على حسابهم الشخصي، وتوزيعها على السيارات المسافرة إلى درنة من أجل تقديم المساعدة للمنطقة المنكوبة.
شهامة عابرة للحدود
في شهرها التاسع من الحمل، كانت ولاء محمود في باريس تحتاج لمترجمة لغة فرنسية، حتى تستطيع الذهاب للمشفى، ونشرت في أحد جروبات الجالية المصرية في باريس، ووقع اختيارها على “مدام غادة”، ولم يحددا مقابلا ماديا للترجمة، وتقابلا وذهبا معًا للمشفى.
وتابعت ولاء حديثها لبوابة “وصال”، أنها ظلت في المشفى نحو 8 ساعات، ما جعلها تشعر بالحرج من غادة وتتخوف من إزعاجها، لكن على العكس تمامًا، كانت غاية في اللطف، وكانت تتصل بأولادها لإخبارهم بما يجب القيام به في المنزل.
“لما جوزي رجع وجه يحاسبها رفضت تمامًا، قالت أنا عاملة ده لوجه الله، وفي اليوم التالي كان لدي موعد في المشفى، فوجئت بهاتفي يرن وإذا بغادة هي من تتصل لتوقظني، رغم أن المسافة بين منزلها والمشفى نحو ساعة ونصف، لكن هذا لم يمنعها من مساعدتي”.
وفي فترة جائحة فيروس كورونا “كوفيد- 19″، كانت ماليزيا تفرض الحجر الصحي على المسافرين، فلم تستطع نوران هاني الخروج من الفندق آنذاك، ولم تتقبل الطعام الأسيوي، فأرسلت على أحد مجموعات الجالية المصرية في ماليزيا على تطبيق التواصل الاجتماعي فيس بوك.
“المصريون سند لبعض في الغربة”، فهمت نوران هذه العبارة جيدًا، عندما طلب منها أعضاء المجموعة عنوانها، لإرسال الطعام لها، وعلى مدار 7 أيام كان يصل لنوران، أفضل الأطعمة العربية والغربية، رغم عدم معرفتهم ببعضهم البعض، لكن هذا لم يمنعهم من تقديم يد العون لها.
وبعد أيام قليلة من هذا الموقف، سألت فريدة وهي سيدة مصرية نوران، عن موعد قدومها إلى كوالالمبور، لتخبرها بأنها تبحث عن فندق، وسارعت فريدة بالقول إنها جهزت غرفة من أجلها، كما أعدت فريدة الكعك والبسكويت من أجل نوران، وألحت عليها لتخبرها عن ما تحبه من الأطعمة المصرية، التي تحبها، لتعدها من أجلها عندما تصل إلى كوالالمبور.
كورونا وأيامها!
وبالحديث عن فترة جائحة كورونا قال أمجد زنتوت: “عندما كنت في دبي بالإمارات العربية المتحدة، أصبت بكورونا، وجاري المصري لم يتركني لحظة واحدة، وكل ما أحتاجه من الخارج يحضره من أجلي، ويؤكد عليّ مرارًا أن لا أطلب الطعام من الخارج، قائلا: أكل البيت هو اللي هيخففك”.
مواقف لا تتنهي، شهامة المصريين ليس لها مثيل، وهناك مواقف لا تعد ولا تحصى كانت دائمًا مثالًا للتفاخر، فالمصري تميز بالشهامة والجدعنة والنخوة والاحترام، والكرم ومساعدة الغير، ويظهر معدنه الطيب الأصيل وقت الشدة والأزمات خاصة
“بعتت على جروب الجامعة أنا بموت حد يلحقني”، بدأت ياسمين شعبان حديثها مع بوابة “وصال” بهذه العبارة، “الجروب كان خاص بالمصريين وفريق الجروب تواصلوا معي على الفور، وأرسلوا فتاة مصرية تتحدث لغة البلد، وطلبت سيارة إسعاف، وتابعوا معها على الهاتف، وكانوا يرسلون الطعام باستمرار”.
كذلك، وفي إحدى مشافي المملكة العربية السعودية وقفت إيمان صاحبة الـ36 ربيعًا، في ردهة المشفى في انهيار تام، بعدما تأكدت من إصابتها بالمرض الخبيث، كان بالها مشغولًا بما سيؤول إليه حالها وحال أطفالها.
وأدركت إيمان معنى شهامة المصريين، بسبب جيرانها وأصدقائها هناك، فقد كانوا القشة التي تعلقت بها في محنتها، شعرت بأنها وسط عائلتها، يذهبون معها للطبيب ويجهزون الطعام، كما كانوا يتناوبون على الاهتمام بأطفالها.
وعندما ذهبت إيمان إلى ألمانيا لإجراء بعض العمليات الجراحية، تفاجأت بفتيات مصريات يتناوبن على الاهتمام بأطفالها، منهم طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، فلم يترددن على الاهتمام به وخدمته.
مواقف قد تبدو بسيطة لكنها تكشف وتظهر معدن الشعب المصري الأصيل، بدأ أكرم فوزي حديثه بأنه عندما كان في السعودية، نشر على أحد جروبات الجالية المصرية في المملكة، أن هناك فتاة صغيرة بحاجة للتبرع بالدم وكان المنشور مرفق برقم هاتف والدها، وعندما ذهب للمشفى أخبره والد الفتاة أن 95% من المتبرعين مصريين.