كتبت – إسراء محمد علي..
يبدو أن بائعي الطعام المصريين في نيويورك يتركون بصمتهم ومذاق مأكولاتهم في نفوس كل من يرتاد شوارع المدينة الأمريكية الصاحية ليس فقط من الباحثين عن الطعام الحلال، بل من جميع من يمرون بهم، مضيفين بذلك «نكهة إلى مشهد الطعام» هناك، حيث تزدهر بقوة الأعمال التجارية لـ «رجال الحلال في الجادة السادسة» والعديد من منافسيهم.
ففي تقرير لصحيفة «ناشيونال» الإماراتية في نسختها الإنجليزية، كتب مراسلها في نيويورك نوفل النهاري تقريرًا يتغنى ببائعي الطعام الحلال من المصريين في شوارع المدينة، يقول نوفل في تقريره: «في شارع 49 الغربي والجادة السادسة، في وسط مانهاتن، يتذكر اللبناني جو كافري الطابور الطويل الذي تشكل خلال الليل في أحد أكشاك بيع الأطعمة الحلال الشهيرة في الشوارع التي يديرها الباعة المصريون».
طوابير على أكشاك الأطعمة الحلال المصرية
يقول جو: «كنت مع رجل آخر وأحصينا في الواقع 115 شخصا»، ويضيف كافري، 57 عاما، الذي يعمل ليلًا في أستوديو قريب لقناة NBC: «لقد مشينا حتى نهاية الصف واستغرق الأمر حوالي 45 دقيقة للحصول على طعامنا».
لكن كافري وجد طريقة للتغلب على انتظار الأطباق المرغوبة التي تجتذب الآلاف من سكان نيويورك والسياح يوميا، وقال: «لقد تعلمنا أنه إذا كنت تعمل لدى NBC، عليك أن تقف على الجانب وتُظهر لهم هويتك، وسوف يخدمونك في أقل من 10 دقائق، وهناك أيضًا خط خاص لسائقي أوبر وسيارات الأجرة».
يعكس هذا المشهد المتكرر اتجاها تزايد على مدى العقود الثلاثة الماضية في شوارع نيويورك المزدحمة، حيث أصبحت علامة الحلال جزءًا لا يتجزأ من مشهد الطعام، ويعود الفضل إلى حد كبير إلى البائعين المصريين، الذين انتقل بعضهم بهذا العمل إلى مستوى صناعي تقريبا، في ارتفاع شعبيته.
ويوضح التقرير أن كلمة «حلال» تشير إلى طريقة الذبح الإسلامية التي تجعل اللحوم مقبولة دينيًا للاستهلاك، ولكن بالنسبة لمعظم سكان نيويورك والسياح، فقد أصبح هذا المصطلح اختصارًا للحم الضأن أو الدجاج فوق الأرز، ويقدم مع مجموعة متنوعة من الصلصات والسلطة.
وتقول ساجينا شريستا، طالبة الدراسات العليا البالغة من العمر 23 عاما، والتي نشأت في جاكسون هايتس في كوينز، في إشارة إلى أكشاك الشوارع المصرية ذات العلامات الصفراء:«لقد كان عنصرًا أساسيًا في الأساس، فعندما يأتي الناس إلى هنا للزيارة، يقولون دعونا نذهب إلى The Halal Guys المصري في الجادة السادسة التي تحولت إلى توكيل تجاري شعبي مشهور».
إن المصريين أدخلوا وعززوا «احتكارا» لعلامة الحلال، الأمر الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من مشهد الطعام في شوارع نيويورك.
وتشير الصحيفة إلى أنه لا توجد إحصاءات رسمية عن عدد بائعي الأغذية المصريين في الشوارع في نيويورك، ولكن في جميع أنحاء المنطقة التجارية المركزية في مانهاتن، يبدو أن أغلبية أكشاك الحلال وعربات النقانق يديرها مصريون، مع وجود أكثر من عشرين عربة، والمدرجات التي اقتربنا منها في المنطقة التي يديرونها أو يملكونها.
وفي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كان هناك تدفق للهجرة المصرية إلى الولايات المتحدة، ونيويورك على وجه الخصوص، وفقًا لدراسة أجراها معهد سياسات الهجرة.
تقول سيرين مشبال، الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة روتجرز، إن عددًا من المصريين يختارون بيع المواد الغذائية كنشاط اقتصادي للمبتدئين، على غرار موجات المهاجرين السابقين، بما في ذلك اليونانيون، الذين هيمنوا على هذا العمل في السبعينيات والثمانينيات في القرن العشرين.
وتقول السيدة مشبال إن المصريين أدخلوا وعززوا «احتكارا» لعلامة الحلال، الأمر الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من مشهد الطعام في شوارع نيويورك.
واليوم، يوجد ما يصل إلى 20 ألف بائع متجول في المدينة، يبيعون كل شيء بدءًا من الطعام المطبوخ والفواكه والخضروات وحتى الملابس والأعمال الفنية. معظمهم من المهاجرين والأشخاص الملونين من أعراق وجنسيات مختلفة، وفقًا لمشروع Street Vendor، وهي منظمة غير ربحية.
وقال هشام هنيدي، وهو بائع مصري يبلغ من العمر 48 عاما، ويعمل على عربة لبيع الأطعمة الحلال عند ناصية الشارع: «المصريون يفضلون الطهي وبيع الطعام في الشارع، تمامًا مثل غيرهم من المهاجرين العرب الذين يفضلون قيادة سيارات الأجرة أو سيارات أوبر من شارع 77 وشارع ليكسينغتون».
وقبل انتقاله إلى الولايات المتحدة، كان هنيدي يمتلك شركة للأطعمة الجاهزة في مصر، وفي عام 2006، حصل على تأشيرة دخول عبر يانصيب البطاقة الخضراء، أما الآن، فإن هنيدي، الذي «يستمتع حقا بالطهي» و«تدليل» زبائنه، حسب الصحيفة، وتقديم السندويشات والوجبات حسب الطلب لسكان نيويورك الجائعين.
وعلى بعد بضع عشرات من المباني جنوبًا، يقول فتحي أبو المجد، وهو بائع نقانق على زاوية شارع 49 والجادة السادسة، إن المهاجرين المصريين الوافدين حديثًا غالبًا ما يكونون متحمسين، وفي معظم الحالات يائسين، للعثور على عمل، وإن ارتفاع تكلفة المعيشة في المدينة والحاجة إلى دعم الأسر في الوطن يدفع الكثيرين إلى بيع الأطعمة في الشوارع.
العنصرية تلاحق العاملين المصريين في تجارة الطعام الحلال
ويقول أبو المجد، 29 عاما، الذي انتقل إلى نيويورك منذ حوالي 14 عامًا: «إنه أحد الخيارات الأكثر سهولة بالنسبة لهم، وخاصة أولئك الذين يفتقرون إلى أوراق الاعتماد أو المهارات أو طلاقة اللغة للتقدم للوظائف في الاقتصاد الرسمي».
وأردف التقرير أن حجم السكان المولودين في مصر في الولايات المتحدة شهد نموًا بشكل ملحوظ خلال الثمانينيات والتسعينيات، واستقر عدد كبير من هؤلاء القادمين الجدد في نيويورك.
وتزامنت هذه الزيادة في الهجرة المصرية إلى المدينة مع زيادة سريعة في الهجرة البنغلاديشية إلى نيويورك، وقد ربط الخبراء الزيادة في الأطعمة الحلال في الشوارع بالزيادة الكبيرة في عدد المهاجرين البنغلاديشيين والباكستانيين وغيرهم من المسلمين القادمين إلى نيويورك خلال تلك الفترة، ولقد اختاروا صناعة متخصصة أخرى شائعة بين المهاجرين وهي قيادة سيارات الأجرة.
وكان جميع سائقي سيارات الأجرة المسلمين بحاجة إلى تناول الطعام على الفور أثناء قيامهم بنوبات عمل لساعات طويلة في المدينة، وهكذا اكتشف المصريون هذه السوق المتخصصة.
ولا يقتصر الأمر على طعام الشوارع فقط على مستوى المدينة، إذ تم إنشاء علامة الحلال اليوم كجزء لا يتجزأ من مشهد الطعام في شوارع نيويورك، بدءًا من عربات الدفع في تايمز سكوير ومتحف مايل، إلى سلاسل المطاعم وشاحنات الطعام التي تجوب الأحياء الخمسة. وفي مارس 2022، نظمت نيويورك أول “أسبوع للمطاعم الحلال”.
ومع ذلك، فإن بطاقة الحلال جعلت بائعي المواد الغذائية أيضًا أهدافًا للإساءة العنصرية، ففي نوفمبر، في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، واجه بائع مصري في مناسبتين على الأقل من قبل ستيوارت سيلدويتز وهو سياسي أمريكي سابق داعم لإسرائيل وبخ عقيدته الإسلامية، وهدد عائلته في مصر واتهمه بدعم حماس، وتم القبض على سيلدويتز، ووجهت إليه تهمة التحرش الشديد وجريمة كراهية وتهمتي مطاردة.