رئيس التحرير   نرمين عبد الظاهر           

ذات صلة

الأكثر قراءة

خطوة بخطوة.. طريقة استخراج تصريح سفر للأطفال أقل من 18 عامًا

كتبت - أسماء أحمد..   أعلنت السلطات المصرية منع سفر القصر...

حكاية «السويسي» نجم السوشيال ميديا الجديد.. من الهروب في قوارب الموت إلى احتساء القهوة في إيطاليا

كتب- هناء سويلم..   بـ«تفة قهوة وقرص ترب» اشتهر التيكتوكر المصري...

ماذا بعد القبول في اللوتاري الأمريكي؟.. مصري يكشف تفاصيل رحلته بعد الفوز في قرعة الأحلام

كتب- أسماء أحمد.. أعلنت الولايات المتحدة قبل أيام فتح باب...

«قد تخسرين حضانة أطفالك».. تعرفي على شروط سفر الأبناء مع الأم خارج مصر

كتبت - أسماء أحمد..   تبحث الكثير من السيدات المصريات عن...

انخفاض طفيف في سعر الدولار بالسوق الموازية.. واستقراره في البنوك

كتبت - وفاء عثمان..   استقر متوسط سعر الدولار في مصر،...

الأسر المصرية في أوروبا وقوانين الطفل.. عندما تدرك أن ابنك ليس “ملكية خاصة”

كتب – هاني جريشة..

تظل تربية الأبناء الهدف الأسمى لأي أب وأم، بصرف النظر عن اختلاف المجتمعات أو الثقافات، ويجاهد المصريين في المجتمع الغربي في تربية أبنائهم خاصة مع اختلاف البيئة المحيطة والقوانين والأعراف.

لكن إذا رحلت الأسرة المصرية إلى أوروبا اصطدمت بواقع جديد، حيث الضرب والتعنيف والعقاب الذي يعتبر ركنا أساسيا للتربية في مصر، مجرم بحكم القانون وتعاقب عليه قوانين الطفل في معظم البلدان الأوروبية بعقوبات شديدة تصل في بعض الأحيان إلى سحب الطفل من الأسرة وتسليمه إلى دار رعاية، ما يشكل تحديا حقيقيا للآباء المصريين في أوروبا، أن يربي أطفاله ويعلمهم القيم والمبادئ التي تربى هو عليها، لكن بأساليب ليس من ضمنها الضرب أو أي تصرف عنيف.

ومن بين التحديات التي يواجهها المصريون في دولة مثل ألمانيا خلال تربية أبنائهم، قوانين الطفل التي شكلت صدمة لبعض من المهاجرين، وسببت العديد من المشاكل للمصريين هناك، فقانون الأطفال يكفل للآباء الحق في التنشئة دون عنف حسب المادة 1631 من القانون المدني، حيث يحظر استخدام العقاب البدني أثناء تربية الأطفال، وكذلك إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بهم، كما يحظر عليهم اللجوء إلى الإذلال والتهديدات، وإذا أبلغ الجيران أو موظفو الحضانة أو المدرسة مكتب رعاية الشباب أن طفلًا يعاني من مثل هذا الإيذاء، يتم التحقق من هذه المعلومات، ثم يخضع الأبوين لنظام “يوجند آمت” الخاص بمكتب رعاية الشباب، وبموجبه للمكتب حق سحب حضانة الأطفال من ذويهم في حالة تعرضهم للتعنيف أو الضرب أو التهديد أو كل ما يسبب لهم نوعًا من الإرهاب الأسري.

نظام “يوجند آمت” برغم من أهميته في رعاية الطفل لأنه ينص على حماية “كل ما يعرض رفاهية الطفل للخطر”، إلا انه يظل مطاطا لأن تفسيره يعود لمكتب رعاية الشباب ذاته، والحالات التي تصله غالبًا من خلال مراكز الشرطة أو المدرسة أو بلاغ من الجيران، أو بلاغ من الطفل تجاه ذويه.

ورغم أن هذا النظام شكل تهديدا للعديد من العائلات المهاجرة حديثا، إلا أن ألمانيا تساعد الوالدين في تربية أبنائهم بتخصيص العديد من النوافذ التي تسهل التواصل بين الجهات المختصة والأهل ومن أهمها الخطوط الساخنة التي تقدم النصائح والاستشارات المجانية، ويبدأ في تقديم النصائح منذ بداية حمل الأم.

قوانين تربية الأطفال في ألمانيا لم تتوقف فقط على سحب حضانة الطفل من ذويه، بل إن عقوبة ضرب الأطفال في ألمانيا تخضع للقانون الجنائي أيضًا ويمكن تغريم الوالدين الذين يضربون أطفالهم، حتى الصفعة الصغيرة على اليد تعتبر إصابة جسدية ويواجه الوالد عقوبة السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات. وفي حالة سوء المعاملة التي تلحق ضررا بالصحة، تفرض المحكمة عقوبة بالسجن تصل إلى 10 سنوات.

الدكتور عبد الله جريشة، وهو طبيب نساء يقيم في ألمانيا منذ أكثر من عشرين عاما، يقول لـ”وصال”: “القوانين الخاصة بحماية الطفل تم سنها لكل من يعيش على أرض ألمانيا وليس للمواطنين فقط أو للأجانب فقط”.

وحول تجربته الشخصية يقول إنه أب لأربعة أبناء وفي إحدى المناقشات الحادة التي حدثت مع زوجته ارتفعت أصواتهما فقام الجيران بإبلاغ الشرطة، وحين حضرت الشرطة حذرهما الضابط مما يحدث وقال: “ليس لي أن أتدخل في خلافكما ولكن ما يهمنا هو الأطفال، واذا تكرر هذا الأمر سنضطر لتحويل الأطفال لمركز رعاية الطفل ومن ثم توزيعهم على أربعة أسر كل أسرة طفل، وبالتالي يحدث تفكك أسري لعائلتنا ويعيش كل طفل بعيدا أبيه وأمه وبقية أشقائه”.

 

الدولة تسحب الطفل فورا في حالة إدمان الأبوين

ويضيف جريشة أنه شاهد نماذج حيه وقاسية بحكم عمله كطبيب نساء، بأن يكون الأب والأم من مدمني الكحوليات أو المخدرات وبمجرد حدوث حمل للأم يتم إخطار المستشفى التابعة لها الأم لسحب المولود فور ولادته دون أن تراه الام، وهي من النماذج بالغة القسوة على الأم لكن مراكز حماية الطفل تتدخل بقوة لحماية الطفل المولود بحكم قضائي ملزم بألا ترى الأم طفلها ويتم سحبه منها.

ويرى جريشة أن القوانين الألمانية لا تقيد الشخص في تربية أبنائه، وأن الأمور تسير على ما يرام في حال عدم حدوث شكاوى لمكتب حماية الطفل، ويضيف: “الأزمات التي قد تحدث مع بعض الأسر العربية بأن تتعارض رغبة الأب مع رغبة الطفل أو الطفلة لأنه إذا كان الأب يرغب في ارتداء ابنته الحجاب وهي ترفض، أو التدخل في اختيار شريكها أو زوجها، وتقدمت بشكوى فالقانون الألماني ينحاز لها دون الالتفات إلى كونها ألمانية أو عربية ودون وضع اعتبار للعادات العربية محل التربية.

من جانبه، يرى المهندس أحمد الشمنهوري، الذي يقيم في ألمانيا منذ بدأ دراسته الجامعية قبل 12 عاما، أنه بالرغم من زواجه وعدم إنجابه حتى الآن إلا أنه يرى أن قانون الأطفال يمثل حماية للطفل في بداية نشأته لحمايته من أي عنف من جانب والديه لأن التربية التي تقوم على تعنيف الطفل منذ صغره سيكون لها مردود سيء عليه وعلى شخصيته في المستقبل.

 

خطورة سن المراهقة

 

ويضيف “الشمنهوري” أنه رغم اتفاقه مع القوانين التي تم تشريعها لحماية الطفل في ألمانيا إلا أن القانون سيكبل الأبوين في تربية الطفل في سن المراهقة الخطر لأنه لن يقبل بأن يقوم ابنه أو ابنته بمرافقة صديق تحت حماية القانون، وأنه ليس له الحق في التدخل في اختيارات ابنته او توبيخها أو القسوة عليها لإلزامها بالعادات والتقاليد التي تربى عليها.

ويشير الشمنهوري، إلى أنه رغم إقامته في ألمانيا لأكثر من عقد من الزمان، لم يرى نموذج مسلم منفتح على الثقافات المختلفة وفي نفس الوقت ملتزم بصحيح دينه، فإما أن يعيش الشاب في مجتمع منغلق كالتجمعات التركية أو أن يكون الشاب منفتحا بشكل كامل على الثقافة الغربية دون الالتزام بالدين، موضحا أن من يستطيع تحقيق التوازن قليلون.

وفي النهاية يقول الشمنهوري أن أفضل حل لتربية الطفل المصري في ألمانيا أن نشأ في المجتمع الألماني وتحت حماية القوانين المفروضة حتى سن العاشرة ثم إكمال تربيته في مصر في مرحلة المراهقة ثم عودته إلى ألمانيا في المرحلة الجامعية.

أما إيطاليا، التي تضم أعلى نسبة للمصريين في الدول الأوروبية، ويقدر عدد المقيمين فيها بشكل رسمي نحو 630 ألف مصري، ويخضعون للقانون الإيطالي الذي ينص على إبعاد الأطفال عن والديهم وإيداعهم بدور الرعاية بأمر من القضاء في حال تعرضهم للعنف اللفظي أو الجسدي أو ارتكاب أي خطأ من الوالدين يستوجب فصل أولادهم عنهم بما في ذلك العنف الأسري، كما أن القوانين في إيطاليا تنص أيضاً قيام السلطات الإيطالية بمتابعة الأسرة والأطفال وعقد لقاءات مع الوالدين من خلال اخصائيين اجتماعيين وأطباء نفسيين.

وفي هذا الشأن يقول المهندس محمد إبراهيم المقيم في إيطاليا منذ عشر سنوات وأحد المشرفين على الجالية المصرية هناك، إن قانون إبعاد الطفل عن أبويه رغم أنه قد يكون مفيدا للطفل إلى أنه خلف العديد من القصص المؤسفة لحال أمهات وأباء فقدوا أبنائهم بهذه الطريقة وباتوا ممنوعين من رؤيتهم أو زيارتهم.

ويرى إبراهيم أن ظاهرة سحب الطفل من والديه يجب ألا يكون خيارا مطروحا على الطاولة إلا في حالات ضيقة للغاية ولفترة محدودة يتم خلالها معالجة الخلل مع الوالدين وترميم الطفل نفسيا، ويضيف أن السحب الدائم يفتقد أبسط معايير الأخلاق والإنسانية، ويترتب عليه نتائج مؤسفة للطفل والوالدين والمجتمع، ونحن نسعى إلى أن يكون هناك خطوات لدعم الحق المقدس بعيش الطفل مع أبوية

 

بعض المرونة في فرنسا

 

أما في فرنسا فقد أقر البرلمان الفرنسي منذ 2018 مشروع قانون يحظر ضرب الآباء والأمهات لأطفالهم، ويهدف إلى ممارسة الآباء والأمهات لسلطتهم دون اللجوء للعنف.

وفي 2020 رصد نشطاء في مجال حقوق الإنسان أن 85 % من الآباء والأمهات الفرنسيين يلجأون إلى العقوبات البدنية لأطفالهم، مع أنّ الضرب كوسيلة عقاب محظور في المدارس الفرنسية منذ فترة طويلة.

وتجرم فرنسا ارتكاب العنف ضد الأطفال، أسوة بالدول الأوروبية الأخرى، لكنها تسمح للوالدين بتأديب أطفالهم بدرجة محدودة، ويترك للمحاكم تحديد ما هو التأديب المسموح وما هو الضرب المحظور.

ريم الفقي، المقيمة في فرنسا منذ أكثر من 15 عاما، وهي متزوجة من يمني وقد حصلا على الجنسية الفرنسية، تحكي تجربتها في تربية ابنتيها فتقول: “عودت بناتي منذ الصغر على بناء جدار الثقة والصراحة بيننا ومصاحبتهم في كل أمورهم، وأن كل إنسان معرض للخطأ لكن لا ينبغي أن يخفيه او يتمادى فيه، موضحة أنها تقوم على تربيتهن على أنهما مواطنتين فرنسيتين لهما كافة الحقوق والواجبات، لكنهما تنتميان إلى أسرة شرقية يحكمها القواعد داخل البيت فلا ينبغي الخروج بلبس غير مناسب، أو القيام بأمور تتنافى مع الدين والأعراف”، على حد قولها.

وتشير الفقي إلى أن قانون الطفل الفرنسي يتشابه مع القوانين الأوروبية في قضية سحب الأطفال حال تعرضهم للعنف لكن عمليات السحب تتم لفترة مؤقتة حتى يتعافى الطفل من آثار ذلك العنف مع تقويم الأسرة الأصلية في سلوكها العنيف والإشراف عليهم في حال عودة الطفل لهم، موضحة أن الفانون الفرنسي يعطي مساحة من المرونة في تربية الأبناء بعكس بعض القوانين الأوروبية الأخرى.