كتبت – أميرة ممدوح..
بدأت القارة العجوز في فتح أبوابها مجددًا أمام استقبال الوافدين والمهاجرين على نحو أوسع بعد سنوات من الانغلاق والعزلة التي حاولت كثير من بلدانها فرضها على سكانها ميلًا نحو القومية والرغبة في الحفاظ على هوية أحادية العرق وحيدة الثقافة.
لكن انخفاض معدلات الخصوبة وارتفاع متوسط العمر بين السكان أثار مخاوف كبير من تهديد بقاء تلك الدول وشعوبها.
دول أوروبا تفتح باب الهجرة
عززت تلك المخاوف، تحركات رسمية اتخذتها عدة دول أوروبا لجذب عدد أكبر من المهاجرين إليها، لاسيما من العمالة المؤهلة التي تخدم اقتصاديات تلك الدول وتسهم في مواصلة نهضتها والاندماج سريعًا مع المجتمع الغربي، ومن بين تلك الدول، تأتي ألمانيا الاتحادية، التي تتبنى سياسات جادة وسريعة نحو الانفتاح أمام الهجرة لاسيما بعد اعتماد النواب الألمان في يناير الماضي قانونًا يخفف من شروط الحصول على الجنسية، من أجل الحدّ من نقص العمالة في البلاد.
هذا التوجه الألماني، انعكس على تبسيط إجراءات الهجرة إليها في القانون الجديد المزمع إقراره قريبًا ليصبح الأمر لا يتطلب سوى الإقامة 5 سنوات للحصول على الجنسية بدلًا من 8 سنوات حاليًا؛ بهدف جذب العمالة الماهرة في العديد من القطاعات.
اتجاه مماثل تبنته كندا قبل سنوات، لتستقبل على إثر ذلك عدد غير مسبوق من الوافدين، ويزاد عدد سكان كندا بنحو مليون شخص العام الماضي ليصل إلى رقم قياسي بلغ 40 مليون نسمة، وهو ما دفعها مؤخرًا إلى تحديد عدد التأشيرات الجديدة التي سيتم تسليمها بنحو 364 ألفًا، تم إصدار ما يقرب من 560 ألف تأشيرة من هذا القبيل العام الماضي.
وأقرت اليونان قانونًا جديدًا للمهاجرين اعتبارًا من أول يناير 2024؛ لتقنن بعض الجوانب الحالية لعملية الهجرة اليونانية، وينفذ البطاقة الزرقاء للاتحاد الأوروبي وتصريح إقامة المستثمر، ويخلق عمليات تقديم طلبات أكثر بساطة.
على النقيض لا زالت دول أخرى أكثر تشددًا تجاه قضية المهاجرين أبرزها بريطانيا وإيطاليا وأمريكا، استنادًا لأحدث التقارير الدولية، طلب أكثر من 1.14 مليون شخص اللجوء في دول أوروبا في عام 2023 فقط.
ولكن ولا تكشف القيود المفروضة على الدخول إلى أوروبا عن الوجه الآخر للعملة: أي الهجرة التي تخلف أثرًا إيجابيًا وتسهم في تكوين سكان في سن العمل يدفعون الضرائب ويساعدون على النمو الديموجرافي في بلد المقصد.
20% من سكان أوروبا كبار سن
وفي دراسة أعدها الدكتور أيمن زهري، خبير السكان ودراسات الهجرة، يتبين أن دول القارة الأوروبية تواجه تحديًا مصيريًا يهدد وجودها، يتمثل في ديموجرافية القارة العجوز، الناتج عن انخفاض معدلات الخصوبة، والعزوف عن الإنجاب على مدار عقود طويلة، مما أدى إلى تقلص نسبة الشباب في سن العمل، مقابل ارتفاع نسبة كبار السن نتيجة الرعاية الصحية الجيدة وتوفير سبل الرفاهة.
وأوضح أن نسبة كبار السن في أوروبا تقارب 20% من إجمالي السكان، أي شخص معمر لكل خمسة أشخاص، والمتوقع أن ترتفع تلك النسبة لتصل إلى أكثر من ربع السكان بحلول عام 2050، أي ما يعادل شخصًا معمرًا بين كل أربعة أشخاص تقريبًا.
وأكد أن العجز الديمغرافي الذي تشهده القارة الأوروبية لا يمثل فقط تحديًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو حتى سياسيًا، لكنه يمثل تحديًا وجوديًا ومعضلة لا يمكن حلها دون خسائر، فالخصوبة المنخفضة والتعمر السكاني تنذران بتناقص سكان أوروبا، وباستمرار الخلل في التركيب العمري للسكان لصالح كبار السن، وانخفاض نسبة المواطنين في سن العمل، مع توقع استمرار هذا الانخفاض في المستقبل بسبب انخفاض الخصوبة وعدم الإقبال على الإنجاب، وهو ما يتطلب اللجوء إلى الحل الأخير ممثلًا في الهجرة.
البطاقات الزرقاء والخضراء
تفتح أوروبا أبوابها للهجرة تحت قيود معينة، ولم تتوقف عن استقبال المهاجرين، حتى ظهر مصطلح أزمة الهجرة الذي أطلق بعد ارتفاع وتيرة اللجوء السوري لأوروبا عام 2015، فكانت ألمانيا، على سبيل المثال تستقبل المختصين في البرمجيات من الهند ومن غيرها من الدول، وأصدرت من أجل ذلك ما يعرف بالبطاقة الزرقاء المشابهة للبطاقة الخضراء الأمريكية والتي تسمح لحامليها بالإقامة والعمل لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، كما تقبل العديد من الدول الأوروبية توطين الكفاءات.