كتب- محمد أبو الدهب..
اتجهت الأنظار إلى طريق «أبيا ريجينا فياروم» بإيطاليا، والمعروف بـ «طريق أبيان»، بعد ضمّه لقائمة التراث العالمي لليونسكو، مُؤخّرًا.
ومن المُتوقع أن يتصدّر طريق «أبيان»، قائمة الوجهات السياحية الأكثر جذبًا بالعاصمة الإيطالية، خلال الأيام المُقبلة، بعد إعلان اليونسكو.
أبيان معلم سياحي مميز
ويُعرف “أبيان” عادة بأوصاف مُختلفة، أبرزها “أقدم طرق روما”، و”ملك الطرق”، لما يتمتع به من أهمية كبيرة خلال فترات تاريخية قديمة؛ فـ يُشكّل جُزءًا مُهمًّا من التراث الثقافي والتاريخي لروما.
وطريق “أبيان” ليس مُجرد مسار قديم؛ لكنه مَعْلًمًا أثريًّا وتاريخيًّا يشهد على تقدُّم الحضارة الرومانية، ويُمثّل مزيجًا من الجمال الهندسي، وعبق التاريخ، ما يجذب السائحين من جميع أنحاء العالم لزيارته واستكشافه.
ويُفضل الزائرون السير على الأجزاء القديمة من الطريق في مواقع مُتفرقة منه، مُستمتعين بمشاهد الطبيعة الجذّابة، والأشجار المُصطفّة على جانبي الطريق، والمواقع التاريخية المُحيطة به.
وتُنظّم بعض الصفحات على الأنترنت جولات سياحية جماعية، يُستخدم فيها الدرَّاجات الهوائية في التنقُّل بين معالم الطريق، بصُحبة مُرشد سياحي، وهي الجولة التي تمتدُّ لـ أربع ساعات كاملة مقابل 59 دولارًا للشخص الواحد.
وتنتشر متاحف عدة على طول الطريق، تتخصص في عرض تاريخ الشارع وتطوره على مر العصور، وتُنظم جولات سياحية وفعاليات ثقافية بشكل مُستمر لتعريف الزوّار بتاريخ الطريق وأهميته.
جولة سياحية بطريق أبيان
معالم على الطريق
يشتهر طريق «أبيان» باصطفاف العديد من المعالم التاريخية على امتداده، مثل كنيسة دومينوس كوا فاديس، وتقع بالقرب من بداية الشارع في روما، ويُعتقد أنه المكان الذي قابل فيه القديس بطرس، المسيح أثناء مغادرته روما.
وهناك أيضًا مجموعة مقابر العائلة، وتضم الكثير من المقابر والأضرحة لمشاهير ونبلاء الشخصيات التاريخية الرومانية.
وتمتدُّ شواهد القبور على مسافة كبيرة بطول الطريق، بما في ذلك قبر «سيسيليا متيلا»، الذي يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وغيرها من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصر الحضارة الرومانية.
طريق أبيان تاريخ كبير
جرى إنشاء طريق «أبيان» في عام 312 قبل الميلاد، بطلب من الرقيب الروماني «أبوس كلافديوس كايوس» Appius Claudius Caecus، وسُمّي بـ «أبيان» نسبة إلى اسمه.
واستهدف الرومان من إنشاء الطريق تسهيل حركة الجيوش الرومانية والإمدادات بين مستعمراتها، والاتصال بالمناطق الجنوبية من الإمبراطورية.
ومع الوقت؛ تحوّل «أبيان» من مجرد ممر عسكري، إلى طريقًا تُجاريًا مُهمًّا؛ فسهّل تدفُّق السلع إلى روما، وعزز الانفتاح الثقافي للمجتمع الروماني تجاه الثقافة اليونانية، ولعب دورًا حيويًا في تعزيز السلطة الرومانية في جميع أنحاء شبه الجزيرة الإيطالية.
وكان الطريق يصل من روما إلى كابوا في البداية، قبل تمديده لاحقًا إلى بينيفينتو، ثم تارانتو، إلى أن اكتمل الطريق بشكله الحالي حتى برينديزي حوالي عام 190 قبل الميلاد، ليصبح واحدًا من أهم طرق الإمبراطورية الرومانية.
وبسبب تلك الأهمية العسكريّة والتُجاريّة؛ شهد الطريق أعمل ترميم وتوسيع عديدة خلال إمبراطوريات أغسطس، وفيسباسيان، وتراجان، وهادريان؛ فشُيدت العديد من الجسور لضمان استمرارية الطريق عبر الأنهار والوديان.
وأنشأ الإمبراطور الروماني تراجان طريق «أبيا ترايانا»، ليكون طريقًا فرعيًّا يصل من بينيفينتو إلى برينديزي عبر طريق ساحلي ومُسطّح.
ووقف الطريق شاهدًا على حادث تاريخي مأساوي شهير، وقع في عام 71 قبل الميلاد، حينما صُلِبَ ما يقرب من 6 آلاف من العبيد المُتمردين بقيادة الثائر سبارتاكوس.
وعُلقت جثث العبيد على طول الطريق بين روما وكابوا، بعد كبح ثورتهم على يد القائد العسكري الروماني ماركوس ليسينيوس كراسوس.
إحياء طريق أبيان
غابت أعمال الصيانة والترميم بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، ما أدّى إلى هجره تدريجيًّا، ومع ذلك ظل الطريق صامدًا بفضل التصميم الجيد والهندسة الاستثنائية للبنية التحتية، برصفه بحجارة كبيرة مُسطّحة، ما جعله قادرًا على التحمُّل لقرون طويلة.
وما لبث إلى أن عاد طريق «أبيان» إلى الواجهة مرة أخرى في خمسينات وستينات القرن الماضي؛ فتحوّلت أجزاء منه إلى مقرًا حصريًا للمجتمع الإيطالي الراقي.
وفي أوائل الخمسينات؛ أُنشأت حديقة «أبيا أنتيكا» الإقليمية الكبيرة، التي أصبح طريق «أبيان» جزءً منها الآن، وتهدف الحديقة إلى الحفاظ على الأراضي الخضراء العديدة، والأصناف المتنوعة من النباتات النادرة، للسماح للمواطنين بالاستمتاع بالجمال الطبيعي.
وتسعى السلطات الإيطالية جاهدة في السنوات الأخيرة للحفاظ على طريق أبيان وحمايته كجزء من التراث العالمي؛ خصوصًا بعد ضمّه لقائمة اليونسكو، مؤخّرًا.