كتب – هاني جريشة..
تمخضت صفقة الشراكة الكبرى التي وقعت بين الحكومة المصرية والحكومة الإماراتية، عن مشروع استثماري ضخم في منطقة رأس الحكمة في الساحل الشمالي، والذي تستفيد مصر منه بحصيلة دولارية تقدر بـ 35 مليار دولار تسلم على فترات متفاوتة.
وتباينت آراء الخبراء الاقتصادين بأن تكون صفقة رأس الحكمة محل انتعاشة حقيقية للبلاد وللاستثمار الوطني تدر العملة الأجنبية وتوفر فرص عمل للشباب وتنعش الاقتصاد المصري، والبعض الآخر يراها أنها بمثابة مخدر مؤقت يزول تأثيره بانتهاء المشروع ليعود الوضع الاقتصادي للانهيار مرة أخرى.
“وصال” ناقشت القضية مع عدد من الخبراء الاقتصادين للتعرف على جدوى المشروع ومستقبله.
وهنا يسجل خبراء اقتصاديون خشيتهم من أن تكون التدفقات المالية بمثابة مخدر لا يدوم إلا لفترة مؤقتة ينتهي بعدها تأثيره ليعود سعر الدولار للارتفاع مجدداً إلى دائرة 72 جنيها بعد أن هبط إلى ما يقرب من 45 جنيها في السوق السوداء، فكيف يمكن إطالة أمد هذا التأثير الإيجابي؟
أزمة ثقة بين المواطن والحكومة
من جانبه أعرب الدكتور وائل النحاس، خبير أسواق المال، عن خشيته من استمرار هبوط الدولار وتداعياته اقتصاديا لفترة مؤقتة، ليستفيق المواطنين بعدها على عودة صعود الدولار وارتفاع الأسعار، مؤكدًا أن الأزمة في مصر لا تكمن في نقص الحصيلة الدولارية وإنما تكمن في قلة الثقة في الحكومة الحالية وإدارتها لأزمة الدولار وسوق صرف العملة، مشيرًا إلى أن أكبر دليل على رؤيته هو وجود الدولار بكثافة في السوق السوداء لكنها لا تذهب إلى القطاع المصرفي الرسمي للحكومة.
وأشار النحاس إلى أن أزمة الثقة بين المواطن والحكومة امتدت إلى أن المواطن يرى أن الحكومة هي صاحبة الأزمة الحقيقية لأزمة الدولار وصناعة السوق الموازي ،وبالتالي فلا يمكن أن يراها صاحبة الحل، وأن لها رؤية حقيقية لإنهاء الأزمة، وأن أي حل تطرح سيكون مؤقتا.
واستدرك النحاس رأيه باعتقاده أن مشروع راس الحكمة سيكون له تأثيرا إيجابيا بشكل نسبي على المدى القصير على حياة الناس، موضحا أنه سيحدث انتعاشة اقتصادية لكن مؤقتة، معربا عن تخوفه من رفع سقف الأحلام لدى المواطنين لفترة مؤقتة ليتهاوى بعدها في بئر سحيق.
وأوضح النحاس أن هناك غموض يسيطر عما ستسفر عنه صفقة رأس الحكمة والأموال التي ستدر من ورائها، متسائلا عن مصير تلك الأموال ان كان سيتم توفير جزءا كبيرا منها لسداد الديون ؟ وما حجم ما سيقتطع منها لعمل ذلك؟ وما حجم الأموال التي سيتم توفيرها في البنوك لفتح اعتمادات مستندية للتجار للقيام بالنشاط التجاري؟”.
أزمة إدارة الموارد
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علاء عبد الحليم أن الأزمة الحقيقية في مشروع رأس الحكمة هي أزمة إدارة وما سيجلبه المشروع من أموال، مؤكدا أن الحكومة الحالية غير قادرة على تلك الإدارة وأنها كانت صانعة للأزمات الاقتصادية في البلاد فلا يمكن أن تكون جزءا من الحل.
وأشار عبد الحليم إلى أن المشروع قادر على انعاش البلاد اقتصاديا في حال تم اختيار إدارة جيدة لإدارة موارد المشروع، واختيار خبراء قادرين على الإبداع في انعاش الاقتصاد بأفضل صورة ممكنة وأن يتم رفع الوصاية السياسية عنها لتفكر في إدارة الموارد دون أي ضغوط عليها أو توجيهها.
وحول ان كان فكرة المشروع هي للتسكين المؤقت، قال عبد الحليم، إن موارد المشروع قادرة على إحداث انتعاش للبلاد لمدة عام تقريبا، وهذا في عرف الحكومات والدول أمر جيد بشرط أن يتم إدارة تلك الموارد وتقسيم الأموال بشكل جيد ما بين تسديد الديون الخارجية وطرح سيولة دولارية لإنعاش الاقتصاد الوطني.
بداية الانفراجة
على جانب آخر يرى الدكتور نور ندا، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية بالقاهرة، أن مشروع تطوير رأس الحكمة، يعد استثمارا حقيقيا مباشرا، لافتا إلى أن المشروع مستهدف منه تحقيق مكاسب مالية تصل إلى 150 مليار دولار.
أضاف أن مشروع رأس الحكمة، سيوفر فرص العمل للمصريين، مبينا أنه سيكون مصدر جديد للدخل القومي المصري بحصة يصل العائد منها لـ 35%.
ورفض ندا، فكرة أن يكون مشروع رأس الحكمة مسكن مؤقت للاقتصاد المصري، مؤكدًا أنه يمثل نقلة كبيرة في الاقتصاد المصري، وبداية لسلسلة من المشروعات الاستثمارية الكبرى، خاصة في ظل أحاديث تدور حول تخصيص 800 فدان في إحدى الأماكن الأخرى للاستثمار على غرار مشروع رأس الحكمة.
وأكد ندا، أن رأس الحكمة هو مجرد بداية الانتعاش الاقتصاد المصري، وأن حسم الصفقة سيفتح الباب أمام العديد من الاستثمارات والمشروعات الكبرى.