كتب – محمود مبروك
شكل غياب المدارس المصرية والتي تدرس المنهج المصري في دولة الإمارات العربية المتحدة تحدياً كبيراً لدى العديد من أبناء الجالية المصرية المقيمين هناك؛ حيث يجد العديد منهم صعوبة في إيجاد مدارس تناسب إمكاناتهم المادية وتوفر لأبنائهم تعليمًا يعكس هويتهم الثقافية، فيضطرون لاختيار مدارس مختلفة.
شيماء فتحي، ربة منزل تقيم مع زوجها وطفلتيها في الإمارات، قالت: «بحثت عن مدارس مصرية في الإمارات، لكنني لم أجد غير المسار المصري عن طريق امتحانات السفارة أو القنصلية، فاضطررت لتسجيل ابنتي الكبرى البالغة من العمر 5.5 سنوات في مدرسة داخل مصر، وأضطر للسفر في أوقات الدراسة والعودة إلى الإمارات في فترات الإجازة، والتي تتروح بين خمس إلى 6 أشهر، مضيفة «فكرة وجود مدارس مصرية خاصة في الخارج أصبح ضرورياً للتخفيف على المغتربين وفي نفس الوقت ربطهم بثقافة بلدهم؛ حيث تبقى إقامتنا في الخارج مؤقتة، ويوما ما سنعود مع أبنائنا لاستكمال الدراسة في الجامعات أو المدارس داخل مصر».
وتواصل «شيماء»: «حاليا أفضل التدريس لابنتي بنفسي المنهج المصري بالمنزل بهدف التوفير؛ حيث إن السنوات الثلاث الأولى في المرحلة الابتدائية ليس فيها اختبارات، بل مرحلة انتقالية إلى الصف الثالث، ولا اضطر إلى السفر كامل العام الدراسي، لكن من بعد الصف الثالث الابتدائي سيتوجب على ابنتي الحضور والدخول إلى الاختبارات بداية من الصف الرابع للانتقال إلى الصف التالي، وفي حالة تواجد مدارس مصرية في الخارج ستسهل هذه العملية دون الحاجة إلى السفر خاصة مع وجود أعداد كبيرة من المصرين في عدة عربية، وتحديدا في الإمارات».
وتضم الإمارات نحو 564 مدرسة حكومية، بحسب ما ذُكر في المؤتمر الصحفي حول الاستعداد للعام الدراسي الجديد 2022-2023. وتعتمد المدارس الحكومية المناهج الوطنية المعتمدة من وزارة التعليم الإماراتية؛ حيث تعتبر اللغة العربية لغة التدريس الأساسية بالإضافة إلى الإنجليزية التي تستخدم على نطاق واسع في تعليم المواد العلمية والفنية.
فيما يبلغ إجمالي عدد المدارس الدولية 643 مدرسة، لتكون ثاني أعلى دولة تحتضن المدارس الدولية عالمياً بعد الصين، وتتنوع المناهج الدراسية بين مناهج، وزارة التربية والتعليم الإماراتية والأمريكي والبريطاني والبنغالي والكندي والفرنسي والألماني والهندي والياباني والباكستاني والفلبيني ونظام سابيس التربوي والإسباني، في حين لا تكشف الإحصائيات عن أي مدرسة خاصة أو دولية تعتمد المنهج المصري.
لم تكن «شيماء» الوحيدة التي اتخذت هذه الخطوة، حيث اتجه محمد خيري، وهو صيدلي يعمل في الإمارات، ولديه طفل يبلغ من العمر 6 سنوات، نفس الاتجاه، قائلا: «بعد البحث كثيراً عن مدارس مصرية في الإمارات لم أجد أي مدارس أو مؤسسات تدرس المنهج المصري هنا، ما يعد تحدياً كبيراً في تعريف أبنائنا بتاريخنا وربطهم بنظام تعليمنا، إلى جانب التحديات التي تواجهنا في حال حولنا من المدارس الخاصة بالإمارات إلى المدارس المصرية، ما دفعني إلى تسجيل ابني في معهد أزهري بقريتي في مصر والتعاقد مع مدرسين أونلاين لتدريسه المنهج الخاص بالصف الأول».
تتنوع المناهج في الإمارات وتتواجد المدارس الأمريكية والبريطانية والبنغالية والهندية والباكستانية والفلبينية في حين لا توجد أي مدرسة تعتمد المنهج المصري
وتابع «خيري»، «لا يوجد غير امتحانات السفارة والقنصلية المصرية الموجودة هنا، وبالتالي دروس خاصة ومصاريف زائدة وضغط أسري وعدم تعود ابني على أسلوب ونظام المدرسة خاصة للأطفال ذوي الأعمار الصغيرة». ووجه رسالة إلى المسؤولين في مصر، بأهمية النظر في طريقة لبناء وإنشاء مدارس مصرية في الخارج بمصاريف معتدلة ليستطيع الطفل فيما بعد أن يكمل دراسته بالخارج ويجد مكان بالمدارس في مصر بنفس المناهج التي كان يدرسها».
وفي استفسار إلى المكتب الثقافي المصري بأبوظبي، عن وجود مدارس مصرية في دولة الإمارات أو أماكن لتدريس المنهج المصري، أوضح المكتب أنه لا يوجد مدارس مصرية، لكن يوجد نظام أبنائنا في الخارج التابع للإدارة العامة للامتحانات وهو نظام منازل وامتحانات أون لاين فقط ولا تُقبل شهادته في دولة الامارات لكن تُقبل في مصر».
تختلف ياسمين محمد، مديرة علاقات عامة تعمل في الإمارات، عن الرأيين السابقين، حيث ترى أن التعليم هنا أفضل، قائلة: «سجلت ابني وعمره 4 سنوات، في مدرسة تدرس المنهاج البريطاني والمتابعة مستمرة وجودة وكفاءة التعليم جيدة جدا». وبسؤالها عن الاختلافات الثقافية، قالت «بالتأكيد تتعدد الثقافات داخل المدرسة وتشكل تحديا إضافيا لأولياء الأمور».
ويتجاوز عدد الجالية المصرية في دولة الإمارات 600 ألف مواطن، بحسب أحدث تصريح للسفير المصري لدى الإمارات، شريف محمود، ونشر «ويكيبيديا العربية» أن عدد المصريين في الإمارات بحسب آخر الإحصائيات يقدر بـ 857,947 مصرياً، ويشكلون واحدة من أكبر الجاليات العربية في الدولة.
وتقدم وزارة التعليم المصرية، نظام الاختبارات عن طريق حضور الطلاب فعليا داخل لجان في السفارات والقنصليات المصرية في الخارج؛ حيث يتم توفير الاختبارات للطلاب المصريين الذين يدرسون في الخارج وفقاً للمناهج التي تُدرَس في مصر، بدءًا من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثاني الثانوي العام، مقابل رسوم تسجيل في الاختبارات تبلغ 150 دولاراً أمريكياً لكل طالب في أي صف دراسي.
وكان لأحمد يسري، مطور أعمال بالإمارات ولديه ابنة 4 سنوات وتقيم زوجته معه، رأي أكثر تفصيلاً؛ حيث قال: «أعمل في الإمارات وللأسف الشديد في رحلتي للبحث عن المدارس لم أجد أي مدارس مصرية، وليس هناك أي اختيار متاح أمامي إلا مدارس المنهج البريطاني أو الأمريكي وهي غير مناسبة مع ثقافتنا بالإضافة إلى تكاليفها العالية»، مضيفا «تختلف المدارس الخاصة في مناهجها عن المناهج المصرية، الأمر اضطر بعض أصدقائي إلى العودة إلى مصر وهناك من اضطر إلى إلغاء عقده واتخاذ قرار بالعودة النهائية ليضمن حصول أبنائه على التعليم المناسب مع ثقافتنا ومناهجنا».
الدراسة في المنزل والامتحان في السفارة يحرم الطلاب من التفاعل مع زملائهم ويمنعهم من القيام بالأنشطة المدرسية
وتابع: «نظام التقديم في السفارة للامتحانات يصلح فقط في حالات الطوارئ أو السفر الموقت لمدة لا تزيد عن سنة في حال كانت الأسرة كلها مسافرة لفترة قصيرة لا تتجاوز السنتين بشرط أن يكون الأبناء في مراحل متقدمة بالتعليم»، مضيفا أن الهدف من المدرسة بالنسبة للأطفال ليس الحصول على المنهج الدراسي فقط، لكن يتمثل أيضا في الفعاليات والأنشطة التي يمارسها الطفل داخل المدرسة والتي تنمي مهاراته، بالإضافة إلى الانخراط مع البيئة المحيطة واكتساب الخبرة اللازمة في التعامل مع المجتمع، وإلا ستكون النتيجة أطفال وشباب لا يجيدون التعامل مع المجتمع».
وعن تأثير التدريس في المنزل على الطلاب وعدم اختلاطهم مع آخرين من نفس العمر، قال الدكتور ياسر عبدالله عتربي، الأستاذ في كلية التربية جامعة الأزهر، إنَّ التعليم المنزلي يُعتبر بديلًا ممكنًا للتعليم في المدارس، وله العديد من المسميات في العصر الحديث منها التعليم عن بعد أو التعليم الذاتي ومع ماله من مميزات إلا إنه عليه بعض المآخذ، حيث يعتمد نجاح هذا النوع من التعليم على عدة عوامل، منها توافر الدعم الكافي من قبل الأسرة والمجتمع المحيط واستخدام منهجية تعليمية مناسبة تستند إلى أسس علمية».
وتابع، «قد يكون هناك تحديات لمثل هذا النوع من التعليم على تطوير المهارات الاجتماعية والتواصل مع الأقران، إلا أنه يمكن التغلب على هذه التحديدات من خلال إشراكهم في أنشطة خارج المنزل، مثل الانضمام إلى النوادي أو الانخراط في أنشطة اجتماعية وتطوعية وغيرها».