كتب- محمد أبو الدهب..
حالة شديدة من الجدل فجّرتها حادثة وفاة الشاب المصري يوسف برسوم، في حريق نشب داخل زنزانته بسجن «سان فيتوري» في قلب مدينة ميلانو بشمال إيطاليا.
وعُثر على جُثمان الشاب المصري البالغ من العمر 18 عامًا، مُتفحمًا داخل حمام الزنزانة، بعد السيطرة على الحريق، في حادث لا يزال قيد التحقيق من قبل أجهزة الأمن.
وكشفت معلومات جديدة عن أن يوسف كان يُعاني من قصور عقلي ونفسي، لذا طُرح تساؤل مفاده كيف يُمكن لصبي يُعاني من هشاشة عقلية البقاء في أكثر السجون اكتظاظًا وإهمالًا؟!.
حبس احتياطي في سان فيتوري
في يوليو الماضي، أُلقي القبض على يوسف مُختار لوكا برسوم، بتهمة السرقة، ونُقل إلى سجن سان فيتوري شديد الحراسة في ميلانو، رهن الاحتجاز الاحتياطي لحين مُحاكته.
رُغم أن تلك الجريمة هي الأولى لـ «يوسف» بعد بلوغه؛ فإنه ارتكب عمليتي سطو وهو قاصر، الأولى في سوبرماركت لأخذ زجاجة فودكا، والثانية بسبب سرقة هاتف من امرأة.
وفيما بعد، قضت محكمة إيطالية بتبرئة «يوسف» من واقعتي السرقة، بعد خضوعه لفحص نفسي، حيث تبيّن عدم قدرته على الفهم والإرادة والوعي بمسؤولية أفعاله الخارجة عن القانون.
هروب يوسف برسوم من مصر إلى إيطاليا
وفاة الشاب المصري يوسف برسوم المأساوية داخل زنزانته في سجن سان فيتوري في ميلانو، مثّلت نهاية تراجيدية لحياة امتلأت بالبؤس، وغلبت عليها الصعاب والمآسي.
ويوسف برسوم الذي رحل في صِباه سجينًا، وغريبًا، مُحاصرًا بين نارٍ ودُخان؛ لم يجد من يحنو عليه عند خروجه من مصر طفلًا شريدًا، مُتطلعًا لحياة أفضل بالهجرة إلى إيطاليا.
ولد يوسف برسوم بمصر في 5 فبراير 2006، ووصل إلى جزيرة لامبيدوزا جنوب إيطاليا في يوليو 2022، قادمًا من ليبيا عبر البحر، كقاصر غير مصحوب بذويه.
الوصول إلى إيطاليا محفوف بالمخاطر
وأثناء مروره عبر ليبيا، قُبض عليه من قبل مُهرّبين، وتعرّض لإساءة معاملته، وإجباره على شُرب الكثير من المياه الملوثة، ما أثّر على حالته الصحية والنفسية.
وعند وصول يوسف برسوم إلى جزيرة لامبيدوزا، تم الإبلاغ عن حالته، ومن ثم احتجز بمركز إيواء، وتلقى العلاج اللازم، قبل نقله إلى مُجتمع آخر في مقاطعة ميلانو.
مآسي تنتهي بالموت
المحامية الإيطالية مونيكا بونيسا التي تولّت رعاية يوسف برسوم عند قدومه إلى إيطاليا، كشفت عن المشوار الصعب الذي سلكه الشاب المصري للوصول سالمًا إلى إيطاليا.
وتقول عن حياته الصعبة: « في عمر 15 عامًا، وجد يوسف نفسه في مُعسكر احتجاز في ليبيا، قبل أن يصل إلى إيطاليا وحيدًا دون عائل، مُقيّد الأيدي والأرجل، على متن زورق».
لم يكن يوسف برسوم يعرف القراءة والكتابة، ولا يمتلك القدرة على نطق كلمة إيطالية واحدة، وشُخصت إصابته بجروح مُتعددة بسبب العنف الذي تعرض له في ليبيا.
محامية: يوسف كان في حاجة إلى علاج عاجل
كيارا بوليتي، مُحامية أخرى اختيرت لتكون وصي قانوني على يوسف لمدة عامين، تقول: « كان الطفل بحاجة إلى مُجتمع علاجي، مُصمم خصيصًا للأطفال الضعفاء، ولكن لم يكن هناك مكان له على الإطلاق!».
وتُضيف: « بعد عدة أشهر، تمكَّنا مع الأخصائيين الاجتماعيين من إيجاد مكان له، ولكن فات الأوان؛ فأصبحت حالته العقلية أسوأ بكثير، وفي لحظة من الاضطرابات، هرب يوسف من المؤسسة».
يوسف برسوم في سجن الأحداث
تمرّد يوسف على الحياة، وارتمى في أحضان الشارع؛ فوجد نفسه مع قاصرين آخرين آلت بهم الظروف للمصير نفسه، وبين يونيو وأكتوبر 2023؛ ارتكب واقعتي السرقة.
وضع يوسف برسوم بسجن بيكاريا للأحداث في ميلانو، وهناك أصاب الطفل الصغير نفسه بجروح عدة في أماكن مُتفرقة من الجسد، بحسب كيارا بوليتي، التي زارته في السجن.
وبغضب شديد تقول المحامية: « ما حدث ليوسف غير عادل»، قبل أن تتساءل « كيف يُمكن لصبي كهذا أن يبقى في مثل هذا السجن المُكتظ، مع مُعدل انتحار مرتفع للغاية، دون مُتابعة؟».
تحقيقات مُستمرّة
لا تزال نيابة ميلانو تجري التحقيقات حول هذه المأساة، مع التحفُّظ على شريكه في الزنزانة للاشتباه في إشعال الحريق في مرتبة لسبب مازال مجهول.
ووفقًا للتحقيقات الأولية؛ فإن النيران بدأت مع حلول منتصف الليل من مرتبة داخل الزنزانة، بينما ظل شريك الزنزانة سالمًا دون أي إصابات.
ولا تزال الأسباب الحقيقية للحريق غير واضحة؛ خصوصًا أن سجون ميلانو الثلاثة تشهد بين حين وآخر اضطرابات وحرائق مُتعمّدة احتجاجًا على سوء المعاملة.
محامية: حالة يوسف لا ينبغي أن تكون في السجن
تُشير المحامية ماركو تشوتشيتا، الممثل القانوني لـ يوسف حاليًا، إلى أن هذه الحادثة دليل على عدم صلاحية السجن، قائلة: « وفاة شخص في أيدي الدولة في عمر 18 عامًا أمر غير مقبول، لأن السجن يجب أن يكون مكانًا آمنًا».
وتُلفت إلى أن وجود حُكمين قديمين بالبراءة، وتقرير خبراء عن حالته النفسية والعقلية يؤكّد على أن الشاب البالغ لم يكن ينبغي أن يكون في السجن بل في مُجتمع محمي.
اقرأ أيضًا: القصة الكاملة لـ وفاة «سجين مصري» مُتفحّمًا في حريق داخل سجن بميلانو