كتب- محمد أبو الدهب..
جدد حادث مقتل الشاب المصري يوسف برسوم في حريق داخل زنزانته بسجن «سان فيتوري» في مدينة ميلانو بشمال إيطاليا، الجدل حول أوضاع النزلاء في سجون ميلانو.
وحادث سجن سان فيتوري يعدُّ حلقة جديدة في سلسلة من أحداث العُنف والاضطرابات، التي تشهدها سجون إيطاليا عمومًا، وفي سجون ميلانو على وجه التحديد.
سجون ميلانو.. الأكثر تعقيدًا
تعتبر ميلانو، بمؤسساتها العقابية الأربعة، المدينة الإيطالية التي تتمتع بنظام السجون الأكثر شمولًا وتعقيدًا في البلاد، بالإضافة إلى كونها الأكثر جدلًا، وتتمثّل سجون ميلانو في:
- سجن سان فيتوري: وهو أحد أقدم وأشهر السجون في ميلانو، تم بناؤه في القرن التاسع عشر.
- مؤسسة بيكاريا للأحداث: وهو مُخصص للقاصرين.
- سجن أوبيرا: سجن للبالغين ذو أمن مشدد يقع في ضواحي ميلانو.
- سجن بوليات: يعتبر نموذجًا للإصلاح؛ فيركز على إعادة تأهيل السجناء.
أزمة سجون ميلانو
تتلخص أزمة أوضاع المؤسسات العقابية بإيطاليا، ومنها سجون ميلانو في سبع مُشكلات، وهي:
- اكتظاظ السجون بالنزلاء.
- سوء المعاملة من شرطة السجون.
- طول مدة الحبس الاحتياطي، وتأخر المحاكمات.
- تكرار الاضطرابات دخل السجون، ومحاولة الهرب.
- تدهور البنية التحتية للسجون.
- النقص العددي في الموظفين والضباط.
- الإهمال والفساد داخل المؤسسات العقابية.
وبلغ عدد حالات الانتحار في سجون ميلانو وإيطاليا عمومًا 70 بين النزلاء، و7 ضباط شرطة، منذ بداية العام الجاري، وقُدّر عدد السُّجناء نحو 61.758 سجينًا، رُغم أن الطاقة الاستيعابية لها 50.911 كحد أقصى.
سجن سان فيتوري الأكثر ازدحامًا بين سجون ميلانو وإيطاليا
يتصدّر سجن سان فيتوري بميلانو قائمة السجون الأكثر ازدحامًا، لذا يحتلُّ المركز الأخير في تصنيف الكرامة بين مؤسسات إيطاليا، وسجون ميلانو تحديدًا.
ويكتظ السجن بعدد نزلاء قُدّر بـ 1094 سجينًا، مقارنة بالسعة التنظيمية التي تشير البيانات الحكومية إلى 749، لكنها في الواقع تتوقف تكون 448، وفقًا لإحصائيات اتحاد نقابة الشرطة.
فـ العديد من غرف الحجز، وأقسام بأكملها غير صالحة للاستخدام، ما يصل بمؤشر الاكتظاظ إلى نحو 245٪، يُشرف عليهم 580 شرطيًّا، موزّعين على عدة نوبات.
مناقشات للبحث عن حلول
وحادث الشاب المصري جاء بعد ساعات قليلة من عقد جلسة اللجنة الإقليمية للنظام والسلامة العامة في ميلانو يوم الخميس 5 سبتمبر الجاري، لمناقشة الأوضاع داخل سجون ميلانو.
وشارك في الاجتماع قادة بلدية ميلانو، والشرطة، والنيابة العامة وقاضي المراقبة في محكمة الأحداث، ومدير السجن، والمفوض الإقليمي لإدارة السجون ومسؤول مركز العدالة للأحداث في لومبارديا.
وبنهاية الاجتماع؛ صدر قرار بتكثيف المراقبة داخل سجون ميلانو، ووضع ضوابط لتخطيط التدخلات العملية في حال وقوع احتجاجات واضطرابات، بالتنسيق مع الشرطة والدفاع المدني، وأمن السجن الداخلي.
وأكّدت بلدية ميلانو على استمرار مشروعات التدريب المهني للمحتجزين، لتسهيل إدماجهم الاجتماعي بعد انتهاء تجربتهم في السجن، بمساعدة الجمعيات التابعة للمجتمع المدني.
كما زار السجن وفد من المحامين والشخصيات السياسية، بينهم رئيس نقابة المحامين في ميلانو أنطونينو لا لوميا، ورئيسة نقابة المحامين الجنائيين فالنتينا ألبرتا، الأسبوع الماضي.
سجن بيكاريا للأحداث
بين وحين وآخر؛ يشهد سجن بيكاريا المُخصص للأحداث في شارع كالكهي تايجي في ميلانو، أعمال شغب واضطرابات، كان آخرها في الأول من سبتمبر الجاري، بعد أسبوع من وقوع أحداث أخرى.
وفي شهر أبريل الماضي، فتحت السُّلطات الإيطالية تحقيقات، انتهت باعتقال 13 من أفراد الشرطة السجنية، الذين اتهموا بارتكاب أعمال العنف وسوء المعاملة بحق السجناء.
وفي مساء السبت 31 أغسطس الماضي، اندلعت أعمال شغب داخل السجن نفسه، وتمت استعادة النظام خلال الليل، ولكن بعد إصابة بعض المحتجزين، ونقل أحدهم إلى المستشفى بحالة حرجة.
وبدأت الأحداث حينما أشعل محتجزون النيران في زنزاناتهم، ووقعت محاولات هروب، ما اضطر الشرطة إلى إغلاق الشوارع المُحيطة بالسجن، وتدخّلت قوات الإطفاء والشرطة بفرق مكافحة الشغب.
وتعرّض ضابط بالسجن للاعتداء من محتجزين، يوم عُطلة 15 أغسطس الماضي، بعد العثور على بعض جرعات المُخدّرات تم إلقاؤها من الخارج، بحسب رواية الشرطة.
سجن أوبرا
الحال في سجن أوبرا بميلانو ليس أفضل من سان فيتوري، وبيكاريا؛ ففي وقت لاحق؛ حصلت نيابة ميلانو على بلاغات جديدة عن سوء معاملة النزلاء في سجن أوبرا.
ووضعت البلاغات الجديدة مع اثنين آخرين تقدّم بهما مُفوّض حقوق السجناء فرانشيسكو مايستو، قيد التحقيق من قبل المُدعيتين روزاريا ستانيارو وتشيتشيليا فاسينا، حيث سبق لهما دراسة حالات عنف بسجن بيكاريا.
وكشف نزيل عن تعرّض النزلاء لانتهاكات؛ فذكر في خطاب لصديقه: « يعاملوننا كالحيوانات، الليلة الماضية اعتدى الحُرّاس على نزيل بهراوات وعصا حديدية، ومنذ 8 أيام لم أر طبيبًا، وأنا مريض جدًا».
مُطالبات بإغلاق سجن الأحداث
طالبت النائبة في البرلمان الأوروبي من حزب التحالف الأخضر واليسار إيلاريا ساليس، بإغلاق جميع سجون الأحداث؛ حيث وصفت السجن بعد زيارة له بأنه «كارثة».
وقالت النائبة في منشور على حسابها بـ «فيس بوك»: « سجن الأحداث في ميلانو، مثل غيره من السجون، يمثل كارثة حقيقية؛ فتتكرر الأزمات منذ سنوات ولا يمكن تجاهلها بعد الآن».
ومن أبرز مُشكلات السجن التي عددتها إيلاريا ساليس، غياب برامج إعادة التأهيل المناسبة، واستخدام العنف تجاه السجناء، مُشددة على ضرورة استعادة الأطفال عبر برامج تعليمية بدلاً من الاحتجاز.
وأضافت: « لا يمكننا أن ننسى صور الاعتداء الوحشي على سجين يبلغ من العمر 15 عامًا من قبل عدد من أفراد الشرطة السجنية في مارس الماضي».
وتابعت: « في إيطاليا، أصبح احتجاز الأطفال أمرًا عاديًا، وخيار الحبس تم تشجيعه من خلال المراسيم الحكومية الأخيرة، التي وسّعت إمكانية اللجوء إلى الحبس الاحتياطي في السجن».
غياب نموذج إنساني لتأهيل القاصرين
أشارت منظمة «أنتيجون أونلوس» الحقوقية إلى أن إيطاليا كانت نموذجًا إيجابيًا في العدالة الجنائية للأحداث في أوروبا والعالم بفضل قدرتها على تقليل اللجوء إلى السجن للأطفال من خلال التركيز على نهج تعليمي.
وأوضحت أنه بدلاً من حماية هذا النموذج الإنساني وتوسيعه، فُكك تدريجيًا من قبل الحكومات الإيطالية المُتتابعة، مبينة أن الحكومة الحالية تسير على النهج نفسه اتجاه الأحداث.
ظروف عمل صعبة في سجون ميلانو
في المقابل؛ يشتكي مُمثّلو الشرطة من ظروف العمل الصعب داخل سجون ميلانو، بما في ذلك وضع البنية التحتية والهيكلية للسجون، واضطرابات النُّزلاء المُتكررة.
فيقول أمين نقابة شرطة السجون المستقلة في لومبارديا ألفونسو جريكو إن « الوضع العملي لشرطة سجون ميلانو صعب دائمًا؛ فلا توجد فترات راحة، والأمن معدوم بسبب الوضع الإنشائي للمبنى».
ويُضيف: « مبنى السجن يكاد يكون غير صالح للاستخدام بالكامل، بدون أبواب حديدية، وتلك الموجودة مُستندة إلى الجدران فقط، وأكشاك الضباط مُدمّرة، كيف يُمكن العمل في مثل هذه الظروف؟!».
أمين اتحاد النقابات المستقلة CNPP دومينيكو بيليتشا وصف شرطة السجون بأنها « جهازًا صحيًّا وفعّالًا للدولة»، مؤكّدًا على أن الجهاز يعمل غالبًا في ظروف حرجة عضوية وهيكلية.
مقترح بطرد السجناء الأجانب يثير الجدل
حالة من الجدل أثارها مُقترحٌ تقدّمت به النقابة المُستقلة لشرطة السجون SAPPE، بوضع سجن بيكاريا تحت إدارة مفوّض، مع طرد النزلاء الأجانب، وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.
ووفقًا الأمين العام للمنظمة لدوناتو كابيتشي؛ فإن الدولة لا تستطيع استعادة السيطرة على سجن الأحداث اللومباردي، حيث يستمر المُحتجزون في رفض أي تعاون، ويُصرّون على خلق اضطرابات في كل مناسبة.
ولهذا السبب؛ يُطالب النقابي بوضع المُنشأة تحت إدارة مفوض، إذا لزم الأمر، مع تعليق جميع أنواع الأنشطة، وتحديد ونقل المحتجزين المشاغبين إلى أماكن أخرى، حتى استعادة النظام والانضباط.
وتابع لدوناتو كابيتشي: « إذا كان النزلاء العنيفون من الأجانب؛ فيجب طردهم وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، وإذا كانوا بالغين يجب نقلهم إلى سجون البالغين».
وقوبل الاقتراح بانتقادات حادة بين أعضاء الأقلية في المجلس الإقليمي، وأعلن ممثلو لومبارديا من الحزب الديمقراطي، والميثاق المدني، وتحالف الخضر واليسار، وإيطاليا حية-العمل، وحركة 5 نجوم رفضهم له.
نقابي: مرسوم كايفانو تسبب في زيادة عدد القاصرين المحتجزين
في يوليو الماضي؛ جدد ألدو دي جياكومو، الأمين العام لاتحاد نقابات شرطة السجون SPP، احتجاجه على أوضاع السجون، بتقيد نفسه بالسلاسل أمام مقر وزارة العدل في روما.
ويرى جياكومو الذي أضرب عن الطعام قبل ذلك؛ أن الدولة تخلّت عن مؤسسات الأحداث، مُتهمًا «مرسوم كايفانو» بالتسبب في تزايد عدد المحتجزين الأحداث في السنوات الأخيرة.
وتحوّل «مرسوم كايفانو» إلى قانون في سبتمبر 2023، لمكافحة جرائم الأحداث، في أعقاب تزايد عدد قضايا الجرائم المُتعلّقة بالقاصرين، إثر جريمة شهيرة بضواحي كايفانو بشمال نابولي.
اقرأ أيضًا:
فيديو| مأساة «يوسف برسوم».. معلومات صادمة عن حياة القتيل المصري في سجن ميلانو
القصة الكاملة لـ وفاة «سجين مصري» مُتفحّمًا في حريق داخل سجن بميلانو