كتب – حسام خاطر
حالة من القلق تنتاب بعض أولياء أمور الطلاب المصريين في الولايات المتحدة، وغيرهم من المجتمعات المتدينة والمحافظة في أمريكا، بسبب انفتاح المدارس العامة في المجتمع الغربي على تدريس مناهج التربية الجنسية الشاملة، والتي تتضمن معايير جديدة تشمل قضايا مثل التوجه الجنسي والهوية الجنسية المرتبطة بالمثليين والمتحولين جنسيًا وأصحاب الميول الجنسية الثنائية، ناهيك عن تخوفهم الأصلي من فكرة تدريس التربية الجنسية للأطفال والمراهقين.
ووفقا لموقع Zip Atlas المختص بنشر إحصائيات ديموغرافية حول التركيبة السكانية للمجتمعات، فإن أمريكا يعيش فيها 293 ألف و251 مهاجرًا مصريا موزعين على 50 ولاية بالإضافة إلى واشنطن العاصمة.
وبحسب موقع مؤسسة Rethinking Schools التربوية، أدخلت الولايات المتحدة مناهج التعليم الجنسي إلى مدارسها في خمسينيات القرن الماضي، تزامنًا مع توافد المهاجرين المصريين الأوائل على مختلف الولايات بحثًا عن فرص عمل ومستقبل أفضل لهم وأسرهم، وكانت المدارس تُقدم مناهج التربية الجنسية من الصفوف السابع إلى الثاني عشر، فيما قدمتها بعض المدارس من الصف الرابع الابتدائي، وتفرض 39 ولاية ومقاطعة كولومبيا قوانين مختلفة تعالج شكلًا من أشكال التربية الجنسية في المدارس، فيما تمنح أولياء الأمور حق سحب أبنائهم من حصص التربية الجنسية.
وكانت مناهج التثقيف الجنسي في الولايات المتحدة الأمريكية حتى العشر سنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين تناقش موضوعات مرتبطة بالتعليم الجنسي دون الدخول في موضوعات خلافية مثل المثلية والتحول الجنسية، حيث درس الطلاب حينها موضوعات مثل العفة (الامتناع عن ممارسة الجنس قبل الزواج، والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي مثل فيروس الإيدز وعدوى السيلان، وكذلك التكاثر بما في ذلك وصف الأعضاء التناسلية، ووسائل منع الحمل، والوقاية من التحرش والاغتصاب، وغيرها.
ومع صعود الديمقراطيين إلى سُدة الحُكم في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020، علت الأصوات المنادية بتعميم تدريس مناهج تعريفية حول +LGPTQ في المدارس العامة، ودعمت العديد من المنظمات الصحية والطبية بما في ذلك الجمعية الطبية الأمريكية والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال وجمعية صحة وطب المراهقين وأكثر من 150 منظمة، التثقيف الجنسي الشامل بما فيه من موضوعات جدلية مثل دمج المثليين جنسيًا في المجتمع والإجهاض.
وأظهر استطلاع رأي أجراه مجلس المعلومات والتثقيف الجنسي بالولايات المتحدة، وهي منظمة مجتمع مدني معنية بالنهوض بالتعليم الجنسي من خلال الدعوة وبناء التحالفات السياسية والاجتماعية، أن 93% من الآباء يدعمون تدريس التربية الجنسية الشاملة في المدرسة الإعدادية كما أيد %96 من أولياء الأمور تدريس التربية الجنسية في المدرسة الثانوية، بما في ذلك الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، والبلوغ، والعلاقات الصحية، وتحديد النسل، والتوجه الجنسي.
وهناك 9 ولايات قد أقرت سياسات تؤكد على المدارس نشر تعليمات حول الميول الجنسية أو مناقشة الصحة الجنسية، بالإضافة إلى أكثر من 6 ولايات أخرى، بينها نيو جيرسي ونيويورك ذات الأكثرية العددية من المصريين في أمريكا، لديها قوانين تطلب تدريس مناهج التربية الجنسية الشاملة التي تتضمن عدم التمييز ضد الأفراد من مجتمع الميم بدءًا من رياض الأطفال، وفي الوقت نفسه انتقدت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها الولايات، التي لا تهتم بتدريس المثلية الجنسية للأطفال قبل سن عشر سنوات، معتبرة أن ذلك يترك الأطفال عرضة للاستغلال الجنسي.
كيف يتعامل المصريون مع ذلك؟
مصريون كُثر يعيشون في الولايات المتحدة أبدوا خوفهم من تعرض أطفالهم في مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي لمواد تعليمية قد تشجع على ممارسة الجنس خارج الإطار الديني الزواج أو تجري استمالتهم إلى سلوكيات جنسية مثلية، بسبب تدريس المحتوى الجنسي الشامل أو مشاهدة أطفالهم للأسر التي تتكون من أم وأم أو أب وأب وغيرها من عائلات مجتمع الميم، ولكن بعضهم توصل إلى حلول تُمكّن الأسر المحافظة من الاندماج في مجتمع متعدد العرقيات دون الإخلال بالعادات الشرقية والقيم الدينية.
يقول أحد أولياء الأمور المصريين الأمريكيين، لـ«وصال»، إن أبنائه يتلقون التعليم الثانوي في إحدى المدارس العُليا في ولاية نيويورك وذات يوم فوجئوا بتعليق أعلام قوس قزح في ردهة المدرسة ومختلف الفصول الدراسية، ويضيف إن إحدى المعلمات متزوجة من زميلتها وتحكي للطلاب عن طبيعة علاقتهما العاطفية، ويتساءل: هل نحن مضطرون أن نرى دعم المثلية وتدريس مناهجها ونسكت وكيف نستثنى أولادنا من ذلك؟
ويشير إلى رؤى مغايرة من بعض المصريين في أمريكا وخاصة في ولايته نيويورك تدعو إلى التعايش مع دعم المثلية الجنسية في الولايات المتحدة، مع توجيه الأطفال في المنزل إلى أن يكونوا محايدين أكثر تجاه المثليين والمغايرين جنسيًا، بحيث لا يبدون تعاطفًا معهم أو ينبذونهم؛ لأن اتجاهات دعم المثلية في المجتمع الأمريكي في تزايد مستمر وقد يتعرض الطفل إلى عقوبة تربوية قد تصل إلى الفصل من المدرسة في حالة الإساءة إلى المغايرين بأي شكل، كما يرى هؤلاء أنهم يستفيدون من التنوع الموجود في المجتمع الأمريكي وعليه يجب أن يتقبلوا بدورهم المختلفين.
وتنصح الكثيرات من أمهات الطلاب المصريين في نيوجيرسي، وبينهن «هبة.أ»، ولية أمر طالبة في الصف الثاني عشر بالمدرسة العُليا، بتعبئة استمارة طلب إعفاء من حضور أي حصص دراسة تتضمن تعليمات حول الأنشطة الجنسية من أي نوع أو الموضوعات حول التوجه الجنسي، وتسليمها إلى إدارة المدرسة. وتوضح هبة أن المدرسة لن تستطيع تجاهل رغبة ولي الأمر في سحب ابنه من حصص التربية الجنسية وإن حدث يُمكن لولي الأمر تقديم شكوى للإدارة التعليمية.
وتحث منى عبد الرازق، ربة منزل مصرية تبلغ من العمر 45 عامًا تعيش في ولاية يوتاه، وولية أمر لثلاثة من الطلاب، على إلحاق الأبناء من رياض الأطفال حتى الصف الخامس بالتعليم المنزلي Home schooling Education، مع الانضمام إلى أي مجموعة من مجموعات أمهات هوم سكول على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف التجمع وتشجيع الأطفال على ممارسة نشاط بدني كالسباحة وكرة القدم.
والتعليم المنزلي في الولايات المتحدة، هو نظام تعليمي شبه رسمي، إذ يقوم الآباء بتعليم أطفالهم في المنزل بدلاً من إرسالهم إلى مدرسة تقليدية، ويختار أولياء الأمور تعليم أطفالهم في المنزل لأسباب مختلفة مثل الفلسفات التربوية الشخصية والظروف المالية والمخاطر الصحية.
وفي كل الأحوال فإن مسألة تدريس الجنس في المدارس، لاسيما الأمور الشائكة مثل المثلية والعبور الجنسي وغيرها، لا تزال مسألة خلافية حتى داخل المجتمع الأمريكي نفسه، حيث تعارضه نسبة ليست بالقليلة من الأمريكيين أنفسهم، ويفضلون إبعاد الأطفال في السن المبكرة عن هذه المسائل حتى يسمح سنهم بالتعامل معها، لكن كل شخص يعالج القصة بطريقة مختلفة، بين من يعترف بحق أولاده في المعرفة فيفتح لهم الباب لتعلم كل شيء وتقييمه، ومن يرفض ذلك ويطلب من المدرسة عدم تعريضه لحصص التربية الجنسية إن كانت قوانين الولاية تسمح بذلك، أو يتعامل معه في المنزل ويحاول أن يقلل من تأثيرات ما يتعلمه في المدرسة بالجرعات الدينية والتربوية.