كتبت – هناء سويلم
السفر والإقامة في الخارج، وتحديدا في أمريكا والدول الأوروبية، ربما يكون حلما لملايين المصريين، لكنه قد لا يكون كذلك بالنسبة للسيدات المصريات اللاتي سافرن بالفعل، فبعضهن تحول حلمهن إلى كابوس، وبينما ينشغل الأزواج بالعمل، ويندمج الأبناء بالدراسة بشكل أسرع في المجتمع بفضل ارتياد المدارس، تقع سيدات مصريات كثيرات في فخ الاكتئاب بسبب الوحدة واختلاف الثقافات، بعضهن يتجاوزنه بمرور الوقت وبأساليب مختلفة، وبعضهن يفشلن في الاختبار وينتهي بهن الأمر بالطلاق والعودة إلى مصر أحيانا، أو الاستمرار في حياة يحسدها عليها من يراها من الخارج، لكنها تعاني داخلها أشد المعاناة.
«وصال» تواصل مع بعض السيدات ممن مررن بهذا الاختبار فقالت «و.ح»، التي تعيش في الولايات المتحدة، إنها كانت تحلم وزوجها كأغلب المصريين بـ«الحلم الأمريكي»، وبعد قبولهم في الهجرة العشوائية ووصولها إلى الأراضي الأمريكية، تعرضت لحالة اكتئاب شديدة خاصة وأن زوجها تأقلم بشكل سريع، وانهمك في العمل والخروج مع الأصدقاء وتركها طوال الوقت مع الأولاد في المنزل.
وأضافت أنها استمرت 5 شهور لا تفعل شيئًا سوى تنظيف المنزل والطبخ والدراسة للأولاد، وعندما كانت تضطر للخروج إلى المحلات لشراء مستلزمات المنزل تعود وهي تشعر بالدونية، نتيجة اختلافها عمن حولها.
وأوضحت أن مشكلتها الرئيسية كانت تكمن في إحساسها بانهيار علاقتها الزوجية، واستمتاع زوجها بالحياة الأمريكية، وأصيبت بحالة من عدم الثقة بالنفس نتيجة شعورها بالغيرة على زوجها، نتيجة تعامله المستمر مع فتيات أمريكيات حسناوات، ما دفعها للتفكير في العودة إلى مصر، إلا أنها لم تستطيع تنفيذ ذلك خوفا على أسرتها.
كارما تغلبت على الاكتئاب بعد دعم زوجها:
كارما محمود، مصرية تعيش في فرنسا، روت تجربة مع الاكتئاب في بداية سفرها، وقالت إنها كانت تحب مصر كثيرًا، وشعرت باكتئاب شديد فور وصولها إلى فرنسا، خاصة وأنها لم تستطع إتقان اللغة، أو العمل، وفقدت الشغف والطموح، فطلبت من زوجها العودة إلى مصر.
وأضافت أن زوجها كان داعمًا لها، وتحدث معها عن مميزات الحياة في فرنسا بالنسبة لهما ولأولادهما، وفرص حصولهم على تعليم جيد، والعيش في دولة متقدمة، وأن عودتهم إلى مصر لن تحقق لهم هذه الحياة، وبعد مشاورات كثيرة مع زوجها قررت الاستقرار في فرنسا، ومع الوقت استطاعت التأقلم بل وأحبت البلد.
شروق انفصلت من أجل التجمع مع الأهل والأصحاب:
أما شروق الشاعر، التي كانت تعيش في أمريكا، فهاجرت مع زوجها في بداية زواجهما، وأنجبت ابنها في أمريكا وحصل على الجنسية، لكنها تعرضت لحالة اكتئاب شديدة نتيجة اختلاف الثقافة واحساسها بالوحدة، والابتعاد عن الأهل والأصدقاء، فقررت الانفصال عن زوجها والعودة إلى مصر للعيش مع أهلها، حيث أنها لم تستطيع إكمال حياتها على هذا النحو من الوحدة والاغتراب.
لايف كوتش: الغربة تحدي يجب الاستعداد له
من جانبها علقت شيما بهجت، لايف كوتش تعمل في بريطانيا، على حالات الإصابة بالاكتئاب في الدول الأوروبية، وقالت إنها ناتجة عن التحديات التي يمروا بها خلال الغربة، واختلاف عقليات من امرأة إلى أخرى.
وأضافت لـ«وصال» أنها خلال عملها قابلت العديد من الحالات التي عانت الاكتئاب بسبب الغربة، أو نتيجة العنف الأسري في الغربة، ومنهن من قررن الانفصال والعودة إلى مصر مرة أخرى.
وأوضحت أن الوعي هو العامل الرئيسي للمرأة لتحسين علاقتها مع من حولها، مشيرة إلى أن عقلية المرأة في الغربة تختلف، فهناك سيدات تفتقدن الثقة بالنفس، وتقرر العودة للمنطقة الآمنة في بلدها؛ لخوفها من التحدي، رغم توافر جميع السبل في البلاد الأوروبية، لكن اختلاف التفكير والوعي هو العامل الرئيسي للتحدي.
وأشارت شيما، إلى أن بعض حالات الاكتئاب تصاب بها الفتيات ممن ترغب في الارتباط في الغربة، وتضطر للارتباط بأي شخص للتخلص من الاكتئاب، لكن بعد الانفصال قد تصل بها حالة الاكتئاب إلى الرغبة في الانتحار وهي حالة قابلتها بالفعل.
وقدمت نصائح للسيدات المقبلات على السفر للدول الأوروبية، بضرورة الاستعداد للتحدي من خلال معرفة ثقافة الدولة التي يسافرون إليها، وعاداتها وتقاليدها، وأنه لابد من وجود خلفية تستطيع من خلالها التعامل دون التعرض لصدمة اختلاف الثقافات.
كما قدمت روشتة علاج للسيدات المصابات باكتئاب الغربة، بضرورة توجيه أسأله هامة لنفسها لتستطيع التعافي، وهي: من أنا؟ ماذا أريد؟ ما هي مهاراتي؟ ما هي احتياجاتي؟ مع ضرورة التواصل مع معالج نفسي للتعافي في الغربة.
طبيب نفسي ينصح السيدات.. لا تستعجلي في العودة:
قال الدكتور جمال فرويز، أخصائي الطب النفسي، إن تغيير المكان والمجتمع، مع ظروف الحياة المختلفة والخوف من المجهول، كل هذه أشياء تتسبب في نوع من التوتر يصيب السيدات أكثر من الرجال.
وطالب فرويز، بضرورة التأهيل النفسي قبل السفر؛ لتجاوز أي مشكلات تواجه المغترب بعد السفر، مشيرًا إلى ضرورة عدم التسرع في العودة؛ لأن الهروب ليس حلًا لهذه المشكلة، بل يجب المواجهة والاستعادة بالطبيب النفسي.
وأكد استشاري الطب النفسي، إبراهيم مجدي، أن الضغوطات التي تتعرض لها السيدات نتيجة الغربة وعدم التكيف، تتسبب في اكتئاب تفاعلي، كما يتسبب اختلاف المناخ بين مصر والدول الأوروبية وعدم ظهور الشمس كثيرا في فصل الشتاء في الاكتئاب أيضا.
وأضاف أن اختلاف اللغة يتسبب في الإحساس بالاغتراب، أو اختلاف الثقافات وانتشار الملابس المتحررة يشعر السيدة المصرية بالغربة، ويتسبب في القلق والتوتر وعدم التكيف، ونصح مجدي بضرورة مقابلة نماذج استطاعت التكيف مع الوضع، مع تحسين اللغة، والتعرف على عرب ومصريين في هذه البلاد لمساعدة السيدة في تخطي أزمة عدم التكيف، مع ضرورة التركيز على الهدف الرئيسي وهو الحصول على حياة كريمة، وأن السبب الرئيسي للسفر هو العمل نتيجة صعوبة الظروف.
وأشار إلى ضرورة أن يكون شريك الحياة واضح مع زوجته، وإخبارها بالتحديات التي قد تواجههما في السفر، حتى لا تُصدم بعد السفر بهذه التحديات وتصاب باكتئاب تفاعلي وتنهار الحياة الزوجية.